تقترب أصول مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يمكن وصفه بالبنك المركزي الأمريكي، إلى نحو ثلاثة تريليونات دولار حاليا، وهي التي كانت أقل من تريليون في عام 2008. الشيء العجيب في هذا التوسع في قائمة المركز المالي للبنك المركزي هو أنه يخالف جميع التوقعات، بل حتى المفاهيم الاقتصادية، في تأثيره في مستوى التضخم وقوة الدولار. فما سبب تماسك الاقتصاد الأمريكي طوال هذه الفترة، وهل سيستمر، والأهم من ذلك كله، ما تأثير ذلك في الاقتصاد الخليجي والسعودي على وجه الخصوص؟
أشير أولا إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يمتلك الحق في التحكم في مستوى المعروض النقدي في البلاد من خلال عدد من الوسائل، أهمها وأشرسها طباعة الدولارات من خلال شراء الأصول، سواء كانت سندات حكومية أو سندات مرهونة بصكوك عقار أو شراء مباشر لشركات ومؤسسات مالية. واختلفت كثيرا تركيبة قائمة المركز المالي للبنك المركزي عما كانت عليه قبل عام 2008، حيث كانت عبارة عن سندات حكومية كأصول مقابل دولارات كالتزام على البنك المركزي. فنجد على سبيل المثال، أن البنك المركزي في عام 2007 قام بشراء سندات حكومية ودخل في اتفاقيات إعادة شراء بمقدار 800 مليار دولار، ومقابل ذلك قام "بطباعة" 800 مليار دولار كعملة وودائع للمصارف التي قامت بشراء هذه الأصول، إضافة إلى ودائع حكومية لدى البنك المركزي. هذا فيما قبل 2008، أما الآن فإن مجموع الأصول التي تم شراؤها (وليس جميع أصول البنك) يصل إلى نحو 2.5 تريليون دولار (بدلا من 800 مليار دولار سابقا)، ومقابل ذلك نجد أن الالتزام على البنك المركزي من العملات المطبوعة وصل إلى نحو 1.1 تريليون دولار الأسبوع الماضي، يضاف إلى ذلك ودائع المصارف والحكومة الأمريكية بمقدار نحو 1.6 تريليون دولار!
السؤال البديهي هو أنه إذا كان البنك المركزي خلال السنوات الأربع الماضية يقوم بطباعة الدولارات ورفع مستوى المعروض النقدي بهذا الشكل المخيف، أليس من المفروض أن نرى ارتفاعا حادا في مستوى التضخم وهبوطا قويا في قيمة الدولار؟ في الواقع أن التجارب الدولية من أيام انفلات التضخم في ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى، إلى المجر عام 1945 عندما كانت الأسعار تتضاعف بشكل يومي (نعم بشكل يومي وهذا من الأمور التي يصعب علينا اليوم تخيلها)، ثم ما حدث في بوليفيا عام 1985 وزيمبابوي عام 2007 وغيرها، تشير هذه التجارب دوما إلى أن طباعة العملة مصيرها انفلات التضخم بشكل لا يمكن السيطرة عليه. فما نتيجة طباعة الدولارات خلال الأربع سنوات الماضية؟ النتيجة أن التضخم الذي كان يتجاوز 4 في المائة سنويا قبل عام 2008 بدأ ينخفض إلى أن انخفض ما دون 2 في المائة حاليا. كما أن الدولار الأمريكي الذي كان مؤشره بانخفاض حاد وصل إلى نحو 73 نقطة ما قبل الأزمة أخذ في الارتفاع إلى أن قارب 90 نقطة في أوائل عام 2009، وانخفض قليلا بعد ذلك وهو الآن أعلى من 75 نقطة! على ما يبدو أن البنك المركزي الأمريكي وجد ضالته في أنه يشتري الأصول المعدومة ويشتري السندات بأنواعها المختلفة ويقوم بإنقاذ أكبر شركة تأمين في العالم ويشتري إحدى كبرى المؤسسات المالية التي أفلست فعليا، ويقوم بتمويل هذه العمليات من خلال طباعة المزيد من الدولارات، ومقابل ذلك يسيطر على التضخم بشكل عجيب، ويحافظ على قوة عملته! هذا ما تقوله لنا الأرقام، ولا يصدقه كثير من الناس.
لكن قد يكون هناك تفسيرات شبه منطقية لما هو حاصل في الولايات المتحدة، ويجعلها تختلف عن تلك الدول التي قامت بطباعة عملتها وتدهور وضعها، وهي أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويا ولا يزال ينتج ويقدم الخدمات (في خبر جديد تجاوزت إيرادات الرخص وحقوق الملكية الأمريكية هذا العام ما تجنيه أمريكا من صادراتها الزراعية)، ولا تزال عملته هي المسيطرة على احتياطيات البنوك المركزية حول العالم، ولا تزال الدول تتهافت على شراء السندات الأمريكية الحكومية على الرغم من ضعف العائد السنوي عليها، الذي يبلغ حاليا نحو 1.7 في المائة لسندات عشر سنوات. نقطة أخرى وهي أن طباعة الدولارات في الفترة الأخيرة تتمثل في ودائع لدى البنك المركزي، أي أنها ليست عملات في أيدي عامة الناس، حيث نجد أن العملات المتداولة حاليا لم تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل عام 2008، بل إن الارتفاع هو في ودائع المصارف التي لا تزال حبيسة قائمة المركز المالي للبنك المركزي. هذه حقيقة يعني فيما لو أنه تم إطلاق هذه الودائع البالغة حاليا 1.5 تريليون دولار وضخها في الاقتصاد الأمريكي لحدث بالفعل تضخم حاد لا يمكن التنبؤ بحدته ولا تأثيره في بقية دول العالم. والسبب في كون هذه الودائع خاملة في مكانها يعود لتخوف المصارف من التوسع في الإقراض في ظل عدم الوضوح والمخاطر المحتملة، إضافة إلى ضعف سعر الفائدة، ما يجعل المصارف تفضل ترك هذه الودائع لدى البنك المركزي (والحصول على نسبة ضئيلة من الفائدة عليها) بدلا من المخاطرة بها مقابل نسبة فائدة ضئيلة بأي حال من الأحوال. حاليا يقف هدف سعر التمويل الفيدرالي، الذي يرمز لسعر الفائدة بين المصارف، قريبا للصفر، ما يعني أن المصارف ليست في حاجة إلى أي تمويل، فلديها ما يكفيها وإن أرادت المزيد فهو متاح بسعر متدن جدا.
ختاما، ربما لهذا الحديث بقية، لكن من الواضح أن مستويات الفائدة ستبقى على ما هي عليه لسنوات طويلة، إلى أن تستهلك المصارف ودائعها لدى البنك المركزي، وما ينطبق على أمريكا ينطبق على دول كثيرة بما في ذلك هنا في المملكة. والسؤال الحقيقي هو أنه إذا كانت أسعار الفائدة ضئيلة بهذا الشكل وستستمر متدنية لسنوات طويلة، فما تأثير ذلك في الاقتصاد السعودي؟ أين ستذهب أموال المستثمرين إذا كانت الودائع التقليدية مرفوضة، بسبب تدني العائد قبل أي شيء آخر، ومن ثم كيف يفكر كبار المستثمرين ممن يستطيع الاقتراض بسعر ضئيل وأين يوجه أمواله؟ وإذا كانت أسعار الأسهم منخفضة بشكل كبير كما هي الآن وأسعار العقار محافظة على ارتفاعها، فأين ستذهب السيولة؟ ليس لدي الجواب، لكن التساؤل أحيانا يقود إلى جواب.
طرح جميل وتفسير منطقي لما يحصل وانا معك مع استمرار التضخم في اسعار العقار سوف تتوجهة السيولة الى سوق الأسهم وأن كان ذلك بشكل تدريجي
أتفق مع ذلك ولكن السوق بحاجة إلى رفع الثقة فيه وهذا يحتاج إلى بعض الوقت.
معك اخي الكريم ويحتاج في نفس الوقت الى اموال جديدة لم تكن موجودة في الدورة السابقة فأنا أطلق عليها دورة وليس أنهيار كما يسميها الأغلب تحياتي اخي الفاضل
دكتور فهد عندما تذكر لماذا لم ينخفض الدولار مقابل العملات الاخرى مثل اليورو او الين او الاسترليني نجد ان السبب هو ان تلك الدول قامت بعمل نفس الشي تقريبا ولو بصور او اسماء مختلفة . دول اليورو تقوم بشراء سندات دول واقناذ مالي . بريطانيا نفس الشي تيسير كمي . اليابان بطريقة اخرى ضخ كميات من الين في السوق وشراء دولار . ولو حسبت ماقامت به تلك الدول كنسبة وتناسب ستجدها تقريبا تتوازن مع امريكا . لكن للنظر الى عملة مثل البرازيل والتي لم تقم باي عملية تيسير كمي او شراء سندات حيث زادت قيمة العملة بما يزيد عن 50% مقابل العملات الاخرى .
صحيح أخ waheb إن قيام دول أخرى بطباعة عملاتها ساعد في تماسك الدولار، إضافة إلى الأسباب الأخرى، علماً بأن أمريكا فعلياً لا تحبذ الدولار القوي من أجل دعم صادراتها، ولكنها تريد لذلك أن يحصل من خلال العرض والطلب وليس بسبب طباعة الدولار.
شكراً على المقال الرائع، هذا كله بتيسير الله ثم حسن تدبير الإدارة الحكيمة والشجاعة بقيادة أبو حسين. رأينا أن أبا حسين أنهى الحرب في العراق وقلل التواجد الامريكي في افغانستان واضطر للتدخل في ليبا لكنه اول المنسحبين دون اي اطماع سياسية او اقتصادية لاحقة. امريكا والعالم في خطر اقتصادي اذا خرج ابو حسين من البيت الابيض.
ايضاً اوقف سباق التسلح ونشر الصواريخ شرق أوربا، وكان بوش قبحه الله قد أشعل فتيل حرب باردة جديدة ونطق بذلك فلاديمير بوتين .
هلا بالمعتصم باللله...عسى أبو حسين يبقى ولا يجينا متطرف ما ندري وين يودينا، وكما تعرف الجمهوريين لهم توجهات منفتحة جداً فيما يخص الاقتصاد ويلامون على ضعف القواعد المنظمة للأسواق والاقتصاد بشكل عام التي أدت إلى الأزمة المالية.
آخر جملة هي المهمة والتي توضح أن لدينا سيولة ضخمة في البنوك وضخمة جدا ً والسوق مع كل هالادرجات ولازالت الأسهم تهبط فترة بعد اخرى مع انه من المفترض ان السوق يتجاوز ال 8500 بكل أريحية بغض النظر عن ربحية الشركات لكن هذا يدل أن السوق مسير وليس مخير
أمريكا تعاني عجز في موزانة الحكومة وفي الميزان التجاري من حوالي 30 سنة لكن مافيه أي مشكلة لأن العجز الحكومي يتم تمويله من سندات وحتى الفوائد التي عليها تتم بسندات ويتم شراءها في وقت قصير جدا ً ومن جميع أنحاء العالم وطبعا ً هذي حالة خاصة بالاقتصاد الامريكي لأنه لو حصل في دولة ثانية لكانت اعلنت افلاسها مثل المكسيك ورسيا في التسعينات والارجتين قبل حوالي 11 سنة ..... اما العجز في الميزان التجاري وهو حوالي 45 مليار دولار شهريا يعني امريكا تستورد أكثر ب 45 مليار عن ماتصدر ومع ذلك هذا ليس بمشكلة كبيرة وذلك لأن امريكا بيئة خصبة جدا ً للسياحة والتعليم والصحة وخلافه لذلك نرى أموال ضخمة تضخ في الاقتصاد والسيولة في أمريكا ......... صحيح الصين خلال ال 10 سنوات بدأت تسحب البساط عن أمريكا لكن لازالت بعيدة جدً ..... عالعموم الموضوع طويل ومتشبع ..... موفق
قراءتك سليمة للوضع الحاصل ولو كنت في مكان الصين أو دول الخليج فماذا ستفعل بما يتراكم لديك من دولارات بسبب المنتجات التي تصدرها للعالم؟ ليس لديهم حل إلا إعادتها إلى أمريكا مرة أخرى والحصول على سندات بفائدة ضئيلة.
د فهد اعتقد ان الجواب علي السؤال اين سوف تتجه السيوله فى السعوديه سوف يتجه جزء منها الى اسهم العوائد والجزء الاكبر سوف يدخل كمنافس نوعي في بعض الانشطه التجاريه التى يعتقد ان فيها مجال للربح اذا قدمت بشكل احترافي تنافسي
د فهد السيولة مثل ما قلت بيد الحكومة التي انفاقها يذهب للشركات الضخمة. والمشكلة الآن ان أكثر أموال أمريكا بيد 1% من الناس والشركات الضخمة وشركات الاسلحة. فلا تحصل دورة اقتصادية طبيعية. كل الأموال تتجه لثلة قليلة. وطباعة الدولارات تنتهي بجيوبهم بدون حصول المراد وهو زيادة انفاق الفرد. اذا, واكرر اذا, وصلت هذه الأموال الى الناس والمؤسسات الصغيرة الخ, وقتها بنشوف تضخم يأتي فجأة. دليل صحة كلامي هو ان عقارات منهاتن مثلا معقل الهوامير الكبار, دبل سعرها بفترات بسيطة جدا. لم يحصل هذا ببقية المناطق.
ايضا يجب ان لا ننسى ان البنك الفيدرالي وضعه مختلف عن البنوك المركزية الأخرى, هو بنك خاص مملوك من البنوك نفسها. لذلك تعيين المدير ليس بانتخاب الناس اللي ما لهم علاقة بل يختاره الهوامير فقط. وهذا البنك هو يقرض الحكومة وهواللي يعين الحكومة حتى. لذلك كثير من بياناتها وتعاملاتها المالية غامضة. حاول عضو الكونغرس رون بول تمرير قانون يجبرهم على كشف كمية الذهب الموجودة, وهل هي لا زالت موجودة أصلا.. والحكومة اعاقت تمرير القانون وبقي الموضوع سر ولا يعرف احد أين الذهب وهل هو موجود أم لا أصلا.
يجب استقلال الفوائد المنخفظه لتنمية الوطن لانه الفرصة لن تتكرر ! ! !
مشكورين جميعاً على المداخلات والمشاركة بالخبرات ووجهات النظر.
مقال جميل يادكتور بالفعل نضرة سريعة ل مايدعى بال velocity of money توضح كيف ان دوران النقود كان منخفضا في السنوات الاربع الماضية وذلك رغم ارتفاع عرض النقود ، وبشكل كبير لان البنوك تقوم باستثمار تلك الاموال في سندات الخزينة او في ملاذات امنة ولم تقوم باقراضها لان البنوك تحاول تجنب المخاطر في هذا الوقت ةلاتريد زيادة المخاطر في مراكزها المالية المثقلة تصلا بالاصول المسمومة ولذلك نجد ان الفدرالي قد بعدة محاولات لخض منحنى العوائد لتلك السندات ايدفع البنوك للاقراض عةضا عن وضعها في استثمارات ذات عوائد منخفضة عموما شكرا على المقال الجميل .
إضافة قيمه أخ نايف...يرتفع دوران النقود بوجود عرض وطلب قوي واقتصاد نشط، وبما أنك أثرت هذه الجزئية المهمة، فكما تعرف إن عملية حساب دوران النقود تتأثر لو كان هناك تضخم كبير فتزداد قيمة هذا المؤشر، لأن طريقة حسابه هي قسمة إجمالي التعاملات الاقتصادية التي تمت في فترة ما على العرض النقدي. فلو كان هناك تضخم لارتفع هذا المؤشر (حتى لو لم يكن هناك نشاط اقتصادي قوي)، وهذا ربما دليل آخر على عدم وجود تضخم في أمريكا. وبالفعل، حالياً دوران النقود باستخدام ن1 أو ن2 في انخفاض مستمر.