استثمر بنفسك فقط إذا كانت لديك ميزة نسبية

31/01/2010 4
محمد القويز

التميّز في أي عمل مبني على امتلاك الشخص ميزة نسبية فيه، فأنت تذهب للطبيب لأن له ميزة نسبية عن غيره في فحص الأشخاص واكتشاف علّتهم ووصف العلاج لها، كما تذهب للمهندس لأن له ميزة نسبية في تصميم المباني وإعداد مواصفاتها بحيث لا تسقط أو تنهار. والاستثمار في هذا الصدد لا يختلف عن أي مجال آخر.

وكما هو الحال في مجالات العلوم الأخرى، فالتمتع بميزة نسبية في مجال الاستثمار يكون بامتلاك أحد المعايير التالية أو مجموعة منها. خبرة ومعرفة أكثر من الآخرين (بموجب الدراسة الأكاديمية في المجال أو التأهيل العملي والممارسة له أكثر من غيرك). وموارد مالية وبشرية أكثر من الغير (بحيث يمكنك استقطاب أولي الخبرات والاستفادة من تحليلاتهم وخبراتهم)، ومصادر معلومات أفضل من غيرك (كالشخص المتخصص في أبحاث السوق الذي بإمكانه الحصول عن معلومات عن الشركات بموجب آراء عملائها، الأمر الذي لا يتيسر للآخرين). أو على الأقل، الوقت والعزيمة الكافية للمارسة الصنعة على نحو مستمر مما يحتمل معه تحقيق إحدى الميزات المذكورة بعالية مع مرور الوقت).

أما الشخص الذي لا يتمتع بأي من هذه الميزات فلا أمل له بالنجاح في الاستثمار بشكل مباشر، مما يعني أن الطريق الأفضل له هو الاعتماد على شخص أو جهة تتمتع بهذه الميزات لتقوم بالاستثمار نيابة عنه. وهذه الجهة في العادة هي الصناديق الاستثمارية.

في هذه اللحظة، أنا متأكد أن كثيرا من القراء الأعزاء قد يقولون في أنفسهم: «بلا صناديق بلا كلام فاضي، فأنا دائماً أسمع أن الصناديق ما وراها إلا الخسائر!».

بالطبع أنا أتفهم وجهة نظرك قارئي العزيز، فقد سمعت عديدا من القصص عن أشخاص خسروا بالاستثمار في الصناديق. ولكن رغبة مني في بحث هذه القصص بشكل منهجي وإحصائي، فقد قمت بحصر أداء مختلف صناديق الأسهم السعودية منذ بداية عام 2002 إلى منتصف عام 2009 (أي لما يزيد على سبع سنوات) وحسبت متوسط أداء جميع تلك الصناديق، ومن ثم قارنت أداؤها بأداء مؤشر السوق ككل.

والذي وجدته هو أن متوسط أداء الصناديق في تلك الفترة قد تغلب على أداء السوق بصفة عامة، حيث كان متوسط الأداء السنوي للصناديق 15.5 في المائة، بينما كان متوسط الأداء السنوي للسوق ككل في الفترة ذاتها 12.5 في المائة. هذا يعني أن من استثمر 100 ريال في السوق ككل في بداية الفترة كان سيحصل على 257 في نهاية الفترة، لكن الشخص الذي استثمر في صناديق الأسهم السعودية كان سيحصل على 317 ريالا خلال الفترة نفسها. وحرصت في هذا التحليل على ألا أختار صندوقاً بعينه، بل آخذ متوسط أداء مختلف الصناديق الموجودة في بداية الفترة لكيلا يكون تحليلي منحازاً لصندوق معين. ولعلي أضيف على هذا التحليل أنه إذا كان أداء الصناديق أفضل من السوق خلال تلك الفترة، فيمكن استنباط أن أداء بقية المستثمرين (معظمهم من الأفراد) كان أسوأ من السوق خلال الفترة ذاتها (ذلك لكي تكون محصلة أداء الصناديق وأداء الأفراد هي الأداء الفعلي للسوق).

وهذه النتيجة متوقعة إلى حد ما بالنظر إلى أن معظم الصناديق الاستثمارية تتمتع بخبرات وكوادر وموارد مالية ومصادر معلومات أفضل من معظم المستثمرين الأفراد، مما يعطيها ميزة نسبية في مجال الاستثمار لتحقيق عوائد أفضل.

بالطبع لا يمكن إطلاق هذه القاعدة على عنانها فليست إدارات كل الصناديق بالقدرة والمهارة نفسها وذلك على قول المثل «أصابع يدك ماهيب سوى». كما أن هناك عديدا من المستثمرين الأفراد الذين يتمتعون بميزات نسبية في الاستثمار لا تمتلكها كثير من الصناديق. ولكن القاعدة العامة تبقى أن أداء الصناديق الاستثمارية كمجموعة كان أفضل من متوسط أداء المستثمرين الأفراد ككل.

أرجو ألا تفهم عزيزي القارئ أني بهذا أدفعك للاستثمار في الصناديق الاستثمارية في جميع الأحوال، بل على العكس. فإذا كنت واثقاً بأن لديك ميزة نسبية في السوق أو الفئة الاستثمارية المختارة، وأن هذه الميزة غير متوافرة لغيرك من المستثمرين ومديري الصناديق (كالخبرة والمعرفة، أو الوقت الكافي للتحليل واكتساب الخبرة، أو الحصول على معلومات أو تحليلات مهمة لا تتوفر لغيرك) فقد يكون من الأجدى أن تستثمر بمفردك، أما إذا لم تكن هذه الميزات النسبية متوافرة لديك فمن غير المتوقع أنك ستتمكن من مجاراة غيرك من الذين يملكون هذه الميزات النسبية، وبالتالي قد يكون من الأحرى بك أن تعهد بإدارة أموالك إلى صندوق استثماري محترف في ذلك السوق أو تلك الفئة الاستثمارية. والجواب عن هذا السؤال سيختلف باختلاف السوق أو الفئة الاستثمارية، فقد يرى الشخص أن له ميزة نسبية في الأسهم السعودية بحيث يمكنه إدارة استثماراته فيها بمفرده، ولكنه لا يملك الميزة نفسها بالنسبة للعقارات السعودية أو الأسهم الأمريكية أو الصينية...إلخ وبالتالي يعهد بالمبالغ التي خصصها لتلك الفئات لصناديق مختلفة ومتخصصة في كل فئة.