مع إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد (1431/1432هـ)، واصلت حكومتنا الرشيدة اتباع سياسة مالية توسعية في الإنفاق الحكومي بهدف تحقيق التقدم والرفاهية للوطن والمواطن، وبهدف تقليل آثار الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد الوطني إلى أدنى حد ممكن، في حين استمرت في انتهاج أسلوب متحفظ لتقدير الإيرادات نظرا إلى طبيعة أسواق النفط المتقلبة من حيث الأسعار وحجم الإنتاج يدعمها في ذلك احتياطياتها الضخمة من الموجودات الأجنبية والبالغة حاليا نحو 1.5 تريليون ريال سعودي تقريباً.
بالنظر إلى الأرقام الفعلية المتوقعة للعام المالي الحالي (1430/1431هـ)، نجد أن الإيرادات الفعلية المتوقعة بلغت مستوى 505 مليارات ريال يمثل زيادة بنسبة 23 في المائة على ما تم تقديره في الميزانية خلال العام، في حين بلغت المصروفـــات الفعليــة المتوقعــة مستوى يقدر بـ 550 مليار ريال تمثل زيادة بنسبة 16 في المائة على ما تم تقديره في الميزانية خلال العام، حيث إن انخفاض نسبة نمو المصروفات عن نمو الإيرادات أدى إلى تقليص العجز المالي المتوقع إلى 45 مليار ريال بدلا من العجز المقدر سابقا بـ 65 مليار ريال، وهذه بالتأكيد مؤشرات إيجابية تدل على تحسن الأداء المالي الفعلي مقارنة بالأرقام التقديرية.
فيما يتعلق بالأرقام التقديرية المتوقعة للعام المالي الجديد (1431/1432هـ)، تم تحديد الإيرادات المتوقعة بقيمة تقديرية تبلغ 470 مليار ريال وهو رقم يشكل ارتفاعا بقيمة 60 مليار ريال و نسبة 15 في المائة عن الأرقام التقديرية لإيرادات العام الماضي، إلا أن اللافت أن هذا الرقم ينقص بقيمة متواضعة تقدر بـ 35 مليار ريال أو نسبة 7 في المائة عن الإيرادات الفعلية المتوقعة للعام الحالي، مما يدل على استمرار الحكومة الرشيدة في اتباع السياسة المتحفظة في تقدير الإيرادات المستقبلية وهذا بالطبع إيجابي في ظل أوضاع اقتصادية قد تشهد مستقبلا الكثير من الأحداث.
في السياق نفسه، حددت الميزانية المصروفات المتوقعة للعام المالي الجديد (1431/1432هـ) بقيمة تقديرية تبلغ 540 مليار ريال وهو رقم قياسي لم يسبق الوصول إليه في تاريخ الموازنات العامة للدولة منذ تأسيسها ويزيد بقيمة 65 مليار ريال أو بنسبة 14 في المائة على ما تم تقديره للعام الحالي والبالغ 475 مليار ريال، مما يدل على انتهاج سياسة مالية توسعية على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال استمرار نمو الإنفاق الحكومي بمعدلات جيدة وهي بلا شك سياسة جريئة تسعى إلى تحقيق النماء و الرخاء للوطن والمواطن على حد سواء.
لمعالجة فرق زيادة المصروفات المتوقعة عن الإيرادات المتوقعة في العام الجديد، تم تقدير عجز للموازنة بقيمة تقديرية تبلغ 70 مليار ريال تمثل نسبة 15 في المائة من الإيرادات المتوقعة ونسبة 13 في المائة من المصروفات المتوقعة. بالنظر إلى بيان وزارة المالية، نجد أنه لم يقدم توضيحا لآلية تغطية هذا العجز لكن عندما نقارن نسبة هذا العجز إلى رصيد الاحتياطيات من الموجودات الأجنبية نجد أن هذه النسبة لا تزيد على 5 في المائة وهي بالتأكيد نسبة ضئيلة توضح لنا سهولة تغطية هذا العجز التقديري من رصيد الاحتياطيات التي تشكل حالياً نحو ثلاثة أضعاف المصروفات المتوقعة للعام الجديد كاملاً ودون الحاجة إلى إصدار سندات حكومية.
اللافت أن زيادة المصروفات العامة للعام المالي الجديد ركزت على التوازن القطاعي وإضافة إلى التوازن الجغرافي، حيث انعكست هذه الزيادة على جميع القطاعات الرئيسة دون استثناء مثل: التعليم والتدريب، الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، الخدمات والبلدية، النقل والاتصالات، المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية، وأخيرا صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومي، وهي قطاعات حيوية ومهمة تمثل الجهاز الإداري للدولة الذي يسعى دوماً إلى توظيف طاقاته لخدمة المواطنين عموماً. في السياق نفسه، يلفت نظرنا أيضا انخفاض قيمة الدين العام بشكل تدريجي ومتوازن إلى أن وصل حالياً إلى مستوى 225 مليار ريال يمثل نسبة 16 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي ويقل بنسبة 5 في المائة عن مستواه في العام الماضي والذي بلغ فيه مستوى 237 مليار ريال كان يشكل حينها نسبة 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا بدوره يعني أن قيمة الدين العام وصلت إلى مستويات مقبولة ومطمئنة جداً نتيجة لانتهاء صلاحية الأوراق المالية المصدرة من قبل الحكومة أو نتيجة لإعادة شراء هذه الأوراق من قبل الحكومة من خلال عمليات السوق المفتوحة.
من منظور المؤشرات الاقتصادية العامة، كان من المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً في قيمته بالأسعار الجارية نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية، حيث بلغ حاليا مستوى 1.384 مليار ريال كما في نهاية العام الحالي مقارنة بمستوى 1.753 مليار ريال تقريباً كما في العام الماضي مما يعني تحقيق انخفاض نسبته 22 في المائة وهذا إيجابي لأن انخفاض الإيرادات الفعلية خلال الفترة نفسها كان بنسبة أكبر بلغت نحو 54 في المائة، حيث تركز الانخفاض بشكل رئيسي في انخفاض القطاع النفطي نتيجة لانخفاض أسعار النفط وكميات التصدير بنسب نمو بلغت 35 في المائة في حين حقق القطاع الخاص غير النفطي نموا بلغت نسبته 5.5 في المائة رفع بها نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة إلى مستوى 47 في المائة، مما يعني ارتفاع مساهمة القطاع الخاص غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي تنويع القاعدة الاقتصادية للناتج المحلي الإجمالي وهذا بالتأكيد من أهم الأهداف الاستراتيجية للاقتصاد الوطني. بشكل عام، لا شك أن الميزانية العامة الجديدة تشكل استمرارا لمسيرة التنمية التي تتبناها حكومتنا الرشيدة منذ سنوات طويلة بهدف دعم الرخاء والازدهار في معظم النشاطات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، حيث نلاحظ النمو المطرد والمتوازن للمصروفات سواء الفعلية منها أو التقديرية حتى وصلت بنا إلى مستويات قياسية تاريخياً وضمن سياسة مالية متحفظة تأخذ في حسبانها الحكمة وبعد النظر في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله و رعاه.
الله يجعل فيها البركة ... لكن لم توضح السياسات المتبعة لمكافحة الفقر وايضا لم يذكر شيء عن وضع البنية التحتية لجدة بعد السيول الجارفة التي شهدتها المدينة