الترف يؤدي إلى الفساد

16/08/2012 13
عبدالله الجعيثن

يقرر العالم العربي المسلم عبدالرحمن بن خلدون (٧٣٢ - ٨٠٨ه) في مقدمته المشهورة، التي أسس بها (علم الاجتماع) وأسماه (العمران).. يقرر في أكثر من موضع أن الترف يؤدي إلى الفساد المالي والأخلاقي والاجتماعي.

وقد قال ص ٣٧١ - ٣٧٤ من المقدمة إن الرفاهية المبالغ فيها تفسد أفراد المجتمع واحداً احداً من المترفين ثم تفسد المجتمع كله، وهذا معنى قول العامة إنه إذا كثر غرس النارنج والسرو والدفلى في المنازل ابتدأ المجتمع في الانحدار الاقتصادي والأخلاقي.. وليس ذلك لخاصية تلك النباتات كما يعتقد العامة وإنما - حسب ابن خلدون - أن كثرة أشجار الزينة في المنازل واجراء المياه العذبة فيها بإسراف وإنفاق الأموال عليها هو مذهب من مذاهب الترف ومظهر من مظاهر الرفاهية..

ويرى ابن خلدون أن الاسترسال في الترف والاستسلام للرفاهية تدعو للانهماك في الشهوات والتفنن فيها مما يفسد الأخلاق.. ويقول ص٣٧٤ (.. إن الترف إذا بلغ غايته انقلب إلى الفساد..) (إنّ الأخلاق الحاصلة من الرفاهية والترف هي عين الفساد لأن الإنسان إنما هو إنسان بقدرته على جلب منافعه ودفع مضاره بنفسه والسعي في ذلك وتحمُّل العمل الشاق.. والمترف المرفه لا يقدر على مباشرة حاجته والقيام بما يتطلبه إما عجزاً أو ترفعاً لأنه مربى في النعيم وكلا الأمرين ذميم).. ثم يصف الفارق في الرفاهية بأنه (.. هو فاسد في طرق الحصول على المال ليستمر في الحصول على الترف الذي اعتاده ولم يعد يصبر عنه، وهو فاسد في قدرته على العمل الجاد المنتج للمال، فيفسد في خلقه ودينه وتفسد إنسانيته ويصير مسخاً على الحقيقة..) ص٣٧٤.. ثم تطرق في موضع آخر لاستعانة المرفهين بالخدم والمساعدين مما يزيد رفاهيتهم ويوسع دوائر الفساد، وقد نعرض رأيه في الاستعانة بالعمالة الوافدة، فابن خلدون عالم فذ.