المهندس علي النعيمي وأنا في خلوة وثالثنا سواق السفارة

30/06/2012 4
د. أنور أبو العلا

كان ذلك اللقاء ذات يوم ذا مناخ هتّان في ربيع عام 1998 خلال انعقاد مؤتمر الاطراف الرابع COP4 لاتفاقية المناخ في مدينة الخضرة والماء والوجه الحسن: بوينس ايرس عاصمة الأرجنتين.

كنت أنا ولا أزال اعشق البترول وبحكم تخصصي كنت أقوم بدراسة مستقلة لتقدير احتياطياته لأنه كان يبدو لي ان معظم النشرات التي تنشر تقديرات احتياطيات البترول لا تقوم بدراسات مستقلة بل تنقل الارقام النهائية من بعضها بعد اجراء تغييرات بسيطة في بعض التفاصيل والتعريفات. هذه الحالة تنطبق على جميع النشرات التجارية ماعدا Oil & Gas Journal التي تدعي انها تحصل على معلوماتها مباشرة من الدول المنتجة للبترول. بينما كان المتخصصون يشككون في صحة الأرقام التي تعلنها (أو تعطيها للآخرين) دول أوبك عن احتياطياتها.

لذا شعرت بأن الحظ يضحك لي عندما قال مندوب وزارة الخارجية في اتفاقية المناخ الاستاذ عدنان بغدادي (سفيرنا فيما بعد في الارجنتين) بصيغة آمرة "إيش رأيك يادكتور أنور أن تركب مع معالي الوزير في السيارة التي ستأخذكما الى بيت السفير لتناول الغداء".

قلت لنفسي قد تكون هذه فرصتي الذهبية ولن تتكرر للحصول على كلمة قد استسقطها سهوا من شفتي الرجل الاول الذي يعرف أكثر من غيره عن مدى دقة المعلومات المتناقضة التي اعتادت ان تنشرها النشرات المختلفة عن احتياطيات المملكة من البترول.

أظن (والله اعلم) ان معاليه ادرك بفطنته ما يدور في خاطري وربما تصور أن أمر الخلوة مدبرٌ لا سيما انه سبق ان جادلته عرضا في احد اجتماعات بون بألمانيا عمَّا يقال عن عدم دقة احتياطيات البترول فكان رده بابتسامة صامتة كأنها تقول دعك من الهرطقة ولا تهرطق كما يهرطق الآخرون بما لا يعلمون فأنا وحدي أدري وأعلم ما لا تعلمون.

رد عليّ معالي الوزير تحية سلام الإسلام بأحسن منها وعلى شفتيه ابتسامة تحدي خلاّبة ثم أخرج بعناية وهدوء قصاصة من الورق راح يتفحصها متظاهرا انه مشغول بقراءتها الى ان اقتربنا من بيت السفير فمد لي القصاصة بنفس ابتسامة التحدي الخلاّبة التي استقبلني بها وهو يقول: هذه القصاصة من جريدة أرجنتينية تتحدث عن احتياطيات المملكة ومواقفها من اتفاقية المناخ ارسلها لي تواً السفير. اقرأوها بتمعن لعلكم تجدون فيها معلومات تستفيدون منها.

خرجت من الخلوة بانطباع أن اهم مؤهلات المسؤول الناجح (كالوزراء ومن في حكمهم) ان يكون داهية غويط يعرف كيف يتخلص بلباقة من تدخلات الملاقيف الذين يتطفلون على خلواته من غير ان يجرح مشاعرهم فلا داعي أن يرد المسؤول بنرفزة على مواطنة (أو مواطن) فيقول: يا سلام.. انتي عندك حلول!، أو يا عمي.. رح اشتر، أو أنجزنا.. القضاء على الفقر المدقع لدى المواطنين، او حتى ان يضعها المسؤول من قصيرها على بلاطة فينكر كليا ان الموضوع من اختصاص ادارته.

لكن يبقى السؤال اللغز (أو التحدي الحقيقي) الذي أتمنى ان يستطيع الإجابة عليه معالي وزيرنا المحبوب (ولو بابتسامة تحدي غير خلابة) هو: هل ياترى حقا ان وزراء بترول الدول المنتجة للبترول يعرفون عن احتياطيات بترول بلادهم اكثر مما يعرفه الآخرون.

موضوع زاوية السبت القادم - إن شاء الله - سيناقش احدث احصائية عن احتياطيات البترول الصادرة هذا الشهر من شركة البترول البريطانية BP.