تخفيض أسعار البترول لا يخفّض أسعار الواردات

07/04/2012 3
د. أنور أبو العلا

اعتراضات بعض المعلقين الأعزاء على زاوية السبت قبل الماضي تقول: إن ارتفاع أسعار البترول تضرنا لأنها ترفع أسعار وارداتنا من الخارج، وكأنّهم يقولون تخفيض أسعار البترول تفيدنا لأنها تخفض أسعار وارداتنا من الخارج. هذا النوع من التعليقات تكشف لنا مدى الطيبة لدى بعض القراء الى الحد الذي يجعلهم يقنعون بالفتات فيذكروننا بالأعرابي الذي ضحى بناقته الوحيدة وما تحمله من كل ما يملكه من حطام الدنيا من أجل أن يعود الى قومه مفاخرا بأنه جاء لهم بخفي حنين. بعبارة أخرى هل سمعتم بإنسان يضحي - عن طيب خاطر - بكامل البرتقالة من أجل أن يحصل على قشرتها.

يجب أن نعرف أن إيرادات البترول هي الدخل الوحيد لبعض الدول المصدرة للبترول فبمجرد انخفاض سعره ينخفض مباشرة وبشكل فوري إجمالي ما اصطلحت ان تسميه مصالح الأحصاء الدخل القومي للدول المصدرة للبترول. بينما انخفاض سعر البترول (ليس كما يعتقد البعض) بانه يخفض أسعار السلع المستوردة من الخارج، بل يؤدي الى زيادة الضرائب على البترول. ولكن حتى لو افترضنا جدلا ان انخفاض سعر البترول يؤجّل ارتفاع (أو حتى يخفض) أسعار السلع المستوردة من الخارج فهل من الحكمة ان نضحي بالجمل وما حمل من أجل ان نحصل على الخفين (أعزّكم الله).

لا شك ان تعليقات القراء - سواء كانت صوابا او خطأ - لا تضايق، بل تفيد الكاتب لأنها تكشف له نقاط الضعف (الغموض) في كتابته، وبالتالي تتيح له الفرصة - إذا أراد - أن يوضّح الغموض في وقت لاحق أو على الأقل تكسبه التجربة والخبرة الكافية التي تجعله يحاول أن يتلافى (رغم استحالة ان يقنع الجميع) جوانب الضعف فيما يكتبه في المستقبل.

يوجد نقطة مهمة أنا شخصيا أشعر أنني لم أوضحها بشكل كامل في المقالتين السابقتين، وهي اصطلاح حساب القيمة الحالية Present value للمورد الناضب. وقد علق أحد القراء (التعليق رقم 4 على زاوية السبت 1 جماد الأولى) بقوله: "ريال تستلمه اليوم أفضل من ريال تستلمه بعد عام".

الحقيقة أن المقارنة بين قيمة ريال المورد الناضب اليوم وقيمته بعد عام تعتمد على العائد الذي ستحصل عليه من استثمار ريال بيع البترول اليوم وبين العائد الذي ستحصل عليه من احتفاظك بالريال على شكل بترول تحت الأرض للأعوام القادمة. الخطأ الكبير الذي يقع فيه بعض المتخصصين لدينا (وفقا لكتاباتهم في صحافتنا) أنهم يعتقدون ان المقصود بالاستثمار هو الاستثمار المالي مثل ما يسمى الصناديق السيادية، بينما الحقيقة ان المقصود هو الاستثمار في بناء عنصر رأس المال الحقيقي الذي يدر دخلا آمنا مستداما يعوّض عن دخل المورد الناضب كالصناعات التي تنتجها الأيدي الوطنية (أركّز على الوطنية)، وقدرة هذه الصناعات على المنافسة لا تعيش عالة على الإعانات.

الضرر الوحيد لارتفاع أسعار البترول الذي يضر بعض الدول المنتجة للبترول هو لأنها تضطر لزيادة انتاجها أكثر من احتياجها للمحافظة على ما يسمى اعتباطا السعر العادل، وبالتالي تتضرر ليس فقط من فقدان جزء كبير من دخل الجيل الحالي، بل كذلك - وهو الأهم - تقصير عمر موردها الناضب، وبالتالي فقدان كامل دخل الجيل القادم.

موضوع زاوية السبت القادم - إن شاء الله - عن العائد على الاحتفاظ بالبترول تحت الأرض.