أظهرت الأسواق المالية بما في ذلك قطاع السلع ردود فعل إيجابية تجاه ما كان يبدو على أنه جهود متضافرة من جانب المصارف المركزية لتعزيز السيولة والثقة، فقد أعلنت خمسة مصارف مركزية كبرى تطبيق تخفيض منسق في سعر الفائدة المفروض على عقود المبادلات بالدولار الأمريكي، وهو ما من شأنه أن يساعد على تدفق السيولة بين المصارف الدولية، كما قام المصرف المركزي الصيني بخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف المحلية بشكل مفاجئ وذلك للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات تقريباً. وقد أجبرت هذه الخطوة قيام المصرف المركزي الصيني بالتركيز مرة أخرى على النمو، حيث يبدو أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو الركود بصورة أسرع بكثير مما كان متوقعاً خلال الأشهر المقبلة.
ولم يخسر مؤشر رويترز جيفريز سي آر بي سوى 0.4 بالمائة فقط خلال شهر نوفمبر، بإجمالي انخفاض يبلغ 5.6 بالمائة من بداية العام وحتى تاريخه. وقد واصلت أزمة الديون خلال هذا الشهر المضي قدماً دون رادع مع ارتفاع الدولار بنسبة 1.4 في المائة مقابل سلة من العملات، وهو ما أدى بدوره إلى إزالة بعض الدعم للسلع الأساسية. وكانت السلعة الرئيسية هي خام غرب تكساس الوسيط، والذي استطاع تضييق بعض الفارق بينه وبين خام برنت وظل يحظى بالدعم بشكل عام على خلفية الظروف المتأزمة السائدة قبل موسم الشتاء والمخاطر السياسية الجغرافية التي تلوح في الأفق في إيران. وكان أداء قطاع السلع الزراعية أسوأ من غيره، وكان سبعة من أصل عشرة من السلع ذات الأداء الأسوأ تابعين لهذا القطاع.
وقفز سعر النحاس بقوة نتيجة حالة البيع المفرط لهذه السلعة، واتبعت معظم السلع الأخرى هذه الاتجاه، لأسباب ليس أقلها ما بدا وكأنه ضعف مؤقت في قيمة الدولار. وفي هذه الأثناء، واصل اقتصاد الولايات المتحدة النأي بنفسه بعيداً عن باقي الاقتصادات حيث واصلت البيانات الاقتصادية الصعود ومن ثم إزالة خطر الركود بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم. ومن المرجح ألا يساهم الركود الاقتصادي في أوروبا وتباطؤ الاقتصادات النامية في تجنيب الاقتصاد العالمي خطر التباطؤ خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، ومن المتوقع أن تبذل السلع جهداً مضنياً لتحقيق بعض المكاسب والارتفاعات على أساس هذا الافتراض.
ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الحالة لا تمثل نقطة تحول بالنسبة لأزمة الديون في منطقة اليورو، ويحتاج أصحاب السياسة إلى إظهار حلول مماثلة لتلك التي تقدمها المصارف المركزية، حيث تتطلب أزمة الديون السيادية في أوروبا استراتيجيات واضحة، وحينها فقط سيكون من الممكن تقديم علاج محتمل أيا كانت طبيعته. ومن ثم يبدو أن صعوبة ظروف السوق والتداول آخذة في الاستمرار في ظل تجاوز مدة التقلبات المرتفعة في الآونة الحالية مدة الأزمة المالية الطاحنة التي استمرت لفترتين خلال ثلاثينيات القرن الحالي.
المخاطر الرئيسة لا تزال قائمة قبل نهاية العام
أدت الإجراءات التي اتخذتها المصارف المركزية إلى حدوث ارتفاع كبير في أسعار سوق الأسهم بيد أن أسواق السندات فشلت في اللحاق بهذه الموجة لاسيما مع بقاء عائدات السندات الإيطالية ضمن مستويات مرتفعة وطويلة الأجل وغير مستقرة في حين انخفض العائد على سندات الحكومة الألمانية لسنة واحدة إلى ما دون الصفر، وهو ما جعل العديد من المستثمرين الآن أكثر قلقا إزاء عودة أموالهم بدلاً من كسب عائد عليها. وفي ظل استمرار تناقص السيولة واقترابنا من نهاية العام، من المتوقع أن تصبح الأسواق أكثر تأثراً بالمخاطر الرئيسية وقرارات التداول ذات الأجل القصير للغاية، حيث يحاول المستثمرون جاهدين لحماية ما لديهم من أرباح أو الحد من خسائرهم.
انخفاض مراكز المضاربة الطويلة إلى أدنى مستوياتها منذ يوليو 2009
واصلت صناديق التحوط وكبار المضاربين الآخرين التقليل من التعرض لتداول السلع خلال شهر نوفمبر، وأظهرت البيانات الأخيرة الصادرة عن لجنة تداول السلع الآجلة أنها قللت من نسبة تعرضها المشترك طويل الأجل للعقود الآجلة والخيارات بالنسبة لعدد 25 سلعة بنسبة 19 في المائة بما يعادل 770000 نقطة، وهو أدنى مستوى لها منذ يوليو 2009، وأقل بكثير من الارتفاع الأخير البالغ ما يقرب من 2 مليون عقد في فبراير الماضي. وعلى أساس القيمة الاسمية، انخفض التعرض لتلك العقود بقيمة 12 مليار دولار ليصل إلى 76 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي.
وقد أصبح من المهم بصورة متزايدة النظر إلى هذه البيانات باعتبارها مؤشراً عكسياً محتملاً، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك معدن النحاس الذي شهد انخفاضاً طوال تعاملات هذا الأسبوع ثم عاد ليحقق ارتفاعاً بنسبة 10 في المائة. ووفقاً للجنة تداول السلع الآجلة، ضاعف المستثمرون مراكزهم القصيرة ثلاث مرات بالنسبة لمعدن النحاس في ظل وجود توقعات باستمرار انخفاض الأسعار، وهو ما ترك المستثمرين عرضة للأنباء الإيجابية، والتي سرعان ما أعلنت عنها المصارف المركزية، مما أدى إلى حدوث ارتفاع قوي في الأسعار مع تضائل حجم المراكز الصغيرة.
الزيادة الكبيرة في معدلات الطلب أدت إلى جموح أسعار الذهب
أبدى المتداولون في معدن الذهب ردود فعل قوية إزاء إعلان المصارف المركزية عقب أن شهد الجميع عمليات تداول هادئة على مدى الأسبوع الماضي. وقد تم تعزيز الارتفاع في أسعار الذهب، والذي وصل إلى مستوى 1750 دولاراً للأوقية، وهو أعلى معدل له منذ أسبوعين، بواسطة أحجام التداول الكبيرة، وهو ما يمكن أن يشير إلى أنه في حين يبحث العديد عن عملية تصحيح أكبر للأسعار إلا أنهم لا يرغبون في تفويت هذا الاتجاه الصعودي المحتمل. وينظر إلى الذهب عموماً باعتباره واحداً من الاستثمارات الأكثر أماناً وتحملاً بين معظم السلع الأخرى في حالة تدهور التوقعات الاقتصادية. ونعتقد أن الدولار سيحظى بالدعم والتعزيز مرة أخرى عما قريب، وهذا لا يزال يشكل عائقا رئيسيا أمام ارتفاع سعر الذهب إلا إذا تصاعدت الأزمة بشكل أكبر مما هي عليه.
النفط الخام بين شقي الرحى
يبدو أن سعر النفط بدأ يبحث عن حاجز مقاومة خلال هذا الأسبوع عقب استمرار مستويات الدعم المهمة عند مستوى 95 لخام غرب تكساس الوسيط ومستوى 105 لخام برنت في وقت مبكر. ويعيش السوق وضعاً حرجاً في الآونة الحالية وهو عالق بين تدهور التوقعات بالنسبة للنمو الاقتصادي جنباً إلى جنب مع عودة النفط الليبي وبين الظروف المتأزمة في موسم الشتاء والمخاطر السياسية الجغرافية السائدة. وتواصل الأزمة السائدة بين الحكومات الغربية وإيران، ثاني أكبر دولة منتجة للنفط داخل أوبك، تفاقمها لاسيما مع قيام المملكة المتحدة بإغلاق سفارتها في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له، وتفرض هذه المخاطر الجغرافية والسياسية زيادة في أسعار النفط، والتي قد تصل قيمتها إلى خمسة دولارات، ومن المحتمل أن تتجه هذه المخاطر نحو الاتساع. ونظراً لعدم وجود قناعات راسخة فيما يتعلق بالاتجاه المستقبلي، يبدو أن المستويات الحالية والبالغة ما بين 95 إلى 105 لخام غرب تكساس الوسيط وما بين 105 إلى 115 لخام برنت ستستمر لوقت ما.
أسواق الحبوب تقع في دوامة الركود
تراجع قطاع الحبوب أكثر من غيره حيث انخفض التعرض طويل الأجل للذرة، والذي يعتبر المجال المفضل للمستثمرين في أسواق الحبوب، بنسبة 22 في المائة. ويبلغ حجم التعرض الشامل طويل الأجل للحبوب المتداولة في بورصة شيكاغو للتجارة الآن مستوى 69500 عقداً فقط، عقب أن بلغ مستوى 800000 عقد في فبراير الماضي عندما وصلت المخاوف بشأن محصول هذا العام إلى نقطة الغليان. وقد ارتفعت المراكز القصيرة في مركب الصويا، والذي يتألف من فول الصويا ووجبة فول الصويا وزيت الصويا، للأسبوع الثاني ليصل إلى مستوى -45000 عقد.
وقد كان الانخفاض الحاد في مشاركات المستثمرين خلال الشهرين الماضيين ناجماً عن ارتفاع مستويات الإنتاج أكثر من المتوقع خلال هذا الصيف، في حين تعرضت أسعار الحبوب الأمريكية لعدد من الضغوط الناتجة عن استنزاف الدولار الأمريكي لقدرته التنافسية في السوق العالمية. ويجب أن يحظى سعر الذرة وفول الصويا بالدعم على وجه الخصوص حيث إنه من المتوقع أن يضمن ارتفاع الطلب على الأعلاف وقيام الصين بإعادة تخزين السلع الأساسية تحقيق معدلات طلب جيدة خلال الأشهر المقبلة. كما يجب أن تضمن استجابة المعروض العالمي لارتفاع الأسعار خلال العامين الماضيين أيضاً زيادة في معدلات الزراعة خلال العام المقبل، بيد أنه وفي ظل وجود توقعات بتغير أحوال الطقس، قد تتغير هذه التوقعات الاقتصادية بسهولة.