تحتل العقارات مكانة حميمة في قلوب المستثمرين في السعودية ودول الخليج. فكثيراً ما نسمع مقولات في مديح العقار مثل: «العقار هو الابن البار في عالم الاستثمار» و»العقار يمرض ولا يموت» و «العقار تطبخه الشمس إلى أن يستوي». لكن هل النظرة للعقار بصفته «شيخ الاستثمارات» هي نظرة صحيحة إذا ما قارناه بفئات الاستثمار الأخرى؟
الحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال ليست بالأمر السهل، إذ لا يوجد مؤشر واضح لأداء العقارات في المملكة أو في دول الخليج بصفة عامة (كما هو الحال بالنسبة لفئات الاستثمار الأخرى كالأسهم أو الصكوك أو المرابحة أو غيرها). ولو كان بإمكان شخص حساب معدل العائد على المدى الطويل على قطعة أرض بعينها بالنظر إلى التغيّر في سعرها، إلا أنه يصعب عمل الشيء نفسه على العقارات ككل. وعلى الرغم من هذه الصعوبة، يمكننا تقدير العوائد المتوقعة على العقارات بالنظر إلى العوائد المتحققة في الماضي على الاستثمارات العقارية في الدول النامية على المدى الطويل (والتي يوجد لها مؤشرات لقياس أدائها ككل)، حيث من المفترض أن الخصائص الأساسية للعقارات كفئة استثمارية تكون متشابهة بصفة عامة بين المملكة ودول الخليج من ناحية وبين الدول النامية بصفة عامة.
فلو نظرنا إلى مؤشر عقارات الدول النامية فسنجد أنه حقق متوسط عائد يبلغ 8.2 في المائة سنوياً خلال السنوات العشر الماضية. وعلى سبيل المقارنة فقد بلغ العائد على أسهم الدول النامية على المدى الطويل ما متوسطه 16.34 في المائة سنوياً، أما السندات والصكوك فقد حققت متوسط عائد يبلغ 6.24 في المائة سنوياً على المدى الطويل. ومن هذا يتضح أن أداء العقارات بصفة عامة هو أداء متوسط بين السندات والصكوك (الأقل مخاطرةً وعوائد) وبين الأسهم (الأكثر مخاطرة وعوائد). ولعل هذه النتيجة متوقعة لأن العقارات (وبالأخص العقارات المنتجة التي لا تحتاج إلى تطوير) تجمع عادة بين خاصيتي الدخل الثابت من الإيجارات (مما يجعلها تشبه السندات والصكوك)، إضافة إلى خاصية الزيادة في قيمة الاستثمار مع ارتفاع أسعار العقار (والذي يجعلها تشبه الاستثمار في الأسهم). هذا يجعلها أكثر استقراراً وأقل تذبذباً من الأسهم.
وبالطبع فلكل قاعدة شواذ، فهناك الكثير من القصص عن الأرض الفلانية أو المنطقة العلانية التي تضاعفت مئات المرات في فترة زمنية قصيرة، ولكن تبقى الأرقام والمؤشرات تتحدث عن القاعدة والقصص تتحدث عن الاستثناء، كما أن تضاعف سهم معين في فترة قصيرة لا يمكن أن نستدل منه على عوائد الأسهم ككل على المدى الطويل. لكن إذا كان الحال كذلك، فلماذا ينظر الكثير من المستثمرين للعقار على أنه «شيخ الاستثمارات»؟ لعل السبب في ذلك يكمن في العناصر التالية:
الميل الطبيعي للمستثمرين في الدول النامية للاستثمارات المحسوسة التي يمكنهم مشاهدتها ومعاينتها ووضع يدهم عليها، الأمر الذي يعطي العقار الكثير من جاذبيته. فهو من هذه الناحية يتميز عن العديد من الفئات الاستثمارية الأخرى (مثل الأسهم) التي يغلب عليها الطابع غير المحسوس.
التسلسل الطبيعي للعديد من الأسواق النامية، حيث لم تكن هناك قنوات استثمارية متاحة لفترات طويلة غير العقار. ففي السعودية على سبيل المثال لم يبدأ سوق الأسهم إلا في 1984م، كما أنه لم يكتسب الطابع الاستثماري على المدى الواسع إلا بعد 2002م، الأمر الذي يعني أن أجيالاً من المستثمرين اعتادوا على العقار كالقناة الرئيسية للاستثمار ولبناء الثروة. ولهذا السبب نجد أن العديد من أثرياء المنطقة قد كونوا ثرواتهم عبر العقار.
صعوبة تسييل العقارات (بالرغم من أنها في الأصل غير محببة لأنها تزيد من مخاطر الاستثمار) إلا أنها تضفي على العقار ميزتين: أولهما أنها تجعل العقار نوعاً من الادخار الإجباري الأقل عرضة للتبديد (خصوصاً لأولئك الذين يجدون صعوبة في المحافظة على أموالهم لفترات زمنية طويلة دون أن يتصرفوا فيها)، وثانيهما أنها تجبر المستثمر أن يحفظها للمدى الطويل مما يضاعف العوائد المحققة منها، بينما الاستثمارات الأكثر سيولة (وذات الأسعار الفورية) تشجع المرء على التداول فيها متى ما حقق ربحاً فيها على المدى القصير مما يقلل احتمال تراكم الأرباح على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، التقيت قبل فترة أحد الأصدقاء، وكان في غاية السعادة إذ تمكن من بيع أرض كان يمتلكها بضعف المبلغ الذي اشتراها به. ولكن بعد الحديث معه اكتشفت أنه كان يمتلك الأرض لمدة 14 عاما، وبقليل من الحساب استنبطنا أن معدل عائده السنوي كان نحو 5 في المائة سنوياً، مما لا يعد عائداً جذاباً بالنظر إلى الأرقام التي ذكرناها بعاليه.
بناء على ما تقدم فإني ألخص نصائحي للمستثمر الفرد بما يلي:
- على الرغم من أن العقارات على مستوى الأسواق المختلفة كانت أقل أداء في المتوسط من الأسهم، إلا أنها ينبغي أن تأخذ مكاناً في محفظتك، وذلك من باب التنويع وتوزيع المخاطر. مثلها في ذلك مثل الصكوك و المرابحات والسلع، بل والمشاريع المنتجة أيضاً. فكما أننا لا ننصح أي أحد أن يركز استثماراته في الأسهم فقط، فإننا كذلك لا نفضل تركيز الاستثمارات في مجال العقار بمفرده، خصوصاً إذا كانت هذه العقارات في دولة أو منطقة واحدة.
- بل من الأفضل أن يكون العقار أول استثماراتك، وذلك بأن تؤمن مسكنا لك ولعائلتك (خصوصاً إذا كنت تعول أسرة). فشراء المسكن هو أداة ممتازة للادخار الإجباري، وهو في معظم الأحوال مستودع جيد للقيمة، بل إن قيمته تزداد في كثير من الدول (الأمر الذي بدأ يحصل في المملكة ودول الخليج في الآونة الأخيرة)، كما أن جعل المسكن أول استثمار يساهم في تأمين مستقبلك وعائلتك من مخاطر الاستثمارات الأخرى، بل ومن مخاطر الحياة. وعند حسابك الحصة التي ينبغي عليك استثمارها في العقارات لا بد أن تأخذ قيمة مسكنك بالحسبان بصفته جزءا من استثماراتك العقارية.
- فيما عدا مسكنك، احرص على ألا تستثمر في العقار مباشرة (عن طريق شراء الأراضي والمساكن) إلا إذا كنت ترى أن لديك ميزة نسبية فعلية عن غيرك من المستثمرين. وفيما عدا ذلك من المفضل أن تستثمر في العقار عبر صناديق استثمار عقارية تخضع لإدارة محترفة. ويزداد هذا الأمر أهمية بالنسبة لاستثماراتك العقارية في دول أو مناطق أخرى.