يبدو أن الربيع العربي وروح ميدان التحرير المصري قد ألهم بقية شعوب العالم , فخرج ملايين المتظاهرين سلمياً في " سبت الغضب العالمي " في أكثر من ألف مدينة في 85 دولة حول العالم وامتدت المظاهرات من أمريكا إلى آسيا ومن أفريقيا إلى أوروبا واستراليا وكندا .
خلال هذه المظاهرات تم التنديد بجشع النظام الرأسمالي وديكتاتورية البنوك الكبرى وطمع الشركات الدولية وكازينو البورصات . كما احتج المتظاهرون على السياسات الاقتصادية والمالية التي أنتجت الفقر وعززت الفوارق الاجتماعية بين البشر . واتهموا السياسيين والرأسماليين بتدمير اقتصاديات العالم لمصلحة فئة قليلة لا تتجاوز نسبتها 1% .
" احتلوا وول ستريت "
" احتلوا وول ستريت " حركة أمريكية سلمية ضد الرأسمالية , ليس لها قيادة وتعتمد على " الديمقراطية التشاركية " بدأت بتغريدة على تويتر سرعان ما اكتسبت تأييد شعبي ومن خلال شبكة الإنترنت انتشرت في مختلف مدن وعواصم العالم . وتبلغ الحركة رسالتها للمجتمعات من خلال المظاهرات والاحتجاجات الواسعة واحتلال شارع المال في نيويورك " وول استريت " .
مقتطفات من الاحتجاجات
لأن حركة " احتلوا " سلمية لم تستخدم العنف في احتلالها لشارع المال " وول ستريت " , وإنما اعتمدت على الضغط الشعبي وترديد الأغاني والشعارات الحماسية ورفع اللافتات لإيصال رسالتها للمجتمع .
من خلال عرض بعض المقتطفات من المظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في العديد من مدن دول العالم , نستطيع تحديد مطالب المحتجين .
واشنطن : أمام البيت الأبيض ووزارة الخزانة ردد المحتجون شعارات " لنحتل واشنطن " و " أوقفوا آلة التطهير العرقي " تعبيراً عن معارضتهم للمافيا المالية وهيمنة الشركات الرأسمالية الكبرى بعد أن انضم إليهم أنصار البيئة ومعارضوا الحرب على أفغانستان , ورفعوا لافتات مكتوب عليها " الشعب يريد إسقاط النظام " و " نحن 99% من الشعب " . لقد اعتبر الرئيس الأميركي هذه الاحتجاجات تعبيرا عن إحباط الشعب الأميركي من عمل النظام المالي .
نيويورك : غنى المتظاهرون " أهلاً حركة احتلال الولايات المتحدة.. لكى تربح القلوب والعقول.. دافع عن البشر جميعاً.. وأخبر الشركات والبنوك أننا هنا لنحتل الولايات المتحدة.. نحن نحترم اتحادنا وحقنا فى أن ننظم أنفسنا.. طلاب ومشردون ومهاجرون.. نحن نقوى روابطنا ببعضنا البعض.. لقد كافحنا طويلاً.. والآن احتجاجاتنا علامة لـ1٪ فى السلطة.. قابلوا الـ99٪ الآخرين " .
في منهاتن حي المال والأعمال ومقر بورصة نيويورك أشهر وأكبر سوق مالي رأسمالي في العالم , ردد المحتجون شعارات " باعونا وأنقذوا البنوك " , ورفعوا لافتات كتب عليها " لنضع حداً للبنك المركزي " و" عندما يسرق الأغنياء الفقراء يسمون ذلك أعمالاً وعندما يدافع الفقراء عن أنفسهم يسمون ذلك عنفاً " و " لنقضي على بورصة وول ستريت قبل أن تقضي على العالم " و" الله يكره وول ستريت " و " اجعلوا البنوك تتعامل بالطريقة الإسلامية " .
إيطاليا : الاحتجاجات لم تكن سلمية تماماً فتخللتها أعمال عنف وشغب , وردد المتظاهرون شعار " يا شعوب العالم انتفضوا " ورفع المحتجون لافتات كتب عليها " الحل الوحيد بالثورة " و " نحن لسنا أملاكاً بأيدي رجال المصارف " , وحملوا نعشاً كتب عليه اسم رئيس الحكومة برلسكوني اعتراضاً على فساد حكومته .
وسط هذه الحالة من الرفض والاستنكار الاقتصادي والسياسي , قالت متظاهرة في روما على المستوى العالمي لا يمكن أن نظل نتحمل عبئ دين لم نتسبب فيه , بل تسببت فيه حكومات السرقة , وبنوك فاسدة , ومضاربون لا يعبئون بنا , لقد تسببوا في هذه الأزمة العالمية ومازالوا يتربحون من ورائها , ويجب عليهم أن يدفعوا ثمنها .
البرتغال : هتف المتظاهرون من على سلم البرلمان في العاصمة لشبونة " الغزو الغزو " , ورددوا " هذه الديون ليست ديوننا " , وطالبوا بخروج صندوق النقد الدولي من البلاد .
اليونان : قلب الأزمة المالية الأوروبية هتف المحتجون أمام البرلمان ضد سياسات التقشف المفروضة عليهم من الاتحاد الأوروبي , وطالبوا بالغاء المذكرة الموقعة مع صندوق النقد الدولي التي تبيح له التدخل في اقتصاد اليونان إلى حد إمكانية بيع ممتلكات الدولة .
كندا : المحتجون رددوا شعارات " احتل بورصة تورنتو " و " توزيع أكثر عدالة للثروات " , وامتدت الاحتجاجات إلى استراليا , ومدريد , ولندن , وفرانكفورت , وبرلين , وامستردام , وباريس , وزيورخ , وطوكيو , وبكين , وغيرها من مدن العالم مستخدمة شعارات مماثلة .
يتوقع الخبراء تزايد الحركات الاحتجاجية في الغرب واستمرارها حتى تتحقق مطالبها , وأكدوا على أن العالم سيشهد تغييرات سياسية واقتصادية كبيرة . وأطلق أحدهم على الاحتجاجات " التسونامي الإنساني " ضد النظام الرأسمالي والعولمة في الغرب , وحذر من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يسعيان للهروب إلى الأمام من الأزمات الحالية , ويخشى من أن ذلك سيتمثل في أشعال حروب أقليمية أو دولية .
مطالب المحتجين
من واقع ما جاء في المقتطفات الاحتجاجية التي تم عرضها يمكن حصر مطالب المحتجين حول العالم وصياغتها على النحو التالي :
1- ممارسة ديموقراطية حقيقية ينتج عنها مساواة بين الأطياف والفئات المجتمعية ليس فيها فئه مميزة , لأن النظام الرأسمالي العالمي اختزل حقوق الأفراد في عملية تصويت قد تستغرق دقائق أو ساعات كل عدة سنوات , ثم لا يكون لهم بعد ذلك تأثير أو مشاركة أو حتى رأي في اتخاذ القرارات التي تمس صميم شئون حياتهم اليومية .
2- التخلص من النظام الرأسمالي الذي فشل في تحقيق الحاجات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للأفراد من عمل وسكن وعلاج مجاني وأمن اجتماعي على المستوى الداخلي , وسبب الأزمات المالية والكوارث الاقتصادية وشن الحروب الإمبريالية على الدول الغنية بالثروات الطبيعية لفرض الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية عليها ليحل مشكلاته الداخلية على حساب قهر وإفقار دول وشعوب خارجية.
3- إقرار تطبيق نظام اقتصادي عالمي جديد وعادل يعتمد على قواعد ومبادئ أخلاقية تهتم بإعلاء القيم الإنسانية والاجتماعية قبل اهتمامها بالدولار . نظام يجرم استغلال الإنسان , ويحارب التصرفات الاحتكارية , ويمنع الاستيلاء على أموال الناس عن طريق الفوائد البنكية والقمار في البورصات , ويصحح الممارسات الفردية الأنانية , ويقدم نموذج توزيع عادل للثروة والدخل , ولا يقبل أن تستولي على الثروة فئة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال على حساب ملايين البشر .
احتجاجاتكم ومطالبكم تلهمنا
المحتجون في أمريكا والغرب يقولون الثورات العربية ألهمتنا بسلميتها في التغيير , فثرنا ضد الرأسمالية بعد أن تبين لنا أن فسادها وجشعها مشكلة بنيوية في صلب النظام الرأسمالي .
تبين هذا الفساد من خلال سلسلة الأزمات المتواصلة التي تكشف في كل مرة عن عجز المبادئ النظرية للنظام الرأسمالي في الحيلولة دون وقوع هذه الأزمات ، ولمعالجة تلك الأزمات أو الخروج منها يتم اللجوء إلى حلها عبر إجراءات تتناقض مع تلك المبادئ .
ونحن بدورنا كشعوب عربية يجب أن تلهمنا هذه الاحتجاجات والمطالب , فندعوا طبقة النخبة من المثقفين والمفكرين والسياسيين في أمتنا من الذين لا زالوا يتعاملون مع الرأسمالية العالمية باعتبارها قدراً لا يرد ونموذجاً يحتذى به , أن يعيدوا النظر في توجههم المغلوط .
لقد تبين عوار الرأسمالية في بلادها على الصعيدين المادي والاجتماعى , فعلى الصعيد المادي فشلت في توفير العمل والسكن والعلاج المجاني , وعلى الصعيد الاجتماعي أوجدت فساد أخلاقي وجريمة وتفكك أسري .
وندعوا الاقتصاديين في أمتنا بأن تلهمهم مطالب المحتجين بتطبيق المعاملات الإسلامية في البنوك , ووقف كازينوهات القمار في البورصات , وعدالة توزيع الثروة , بأن يتوقفوا عن إنكارهم غير المنصف أو المنطقي لوجود نظرية اقتصادية إسلامية .
فمن المحزن أن يقول أحدهم كلنا مسلمين ونتمنى ازدهار الإسلام وتقدمه في كل المجالات لكن ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي كلام غير مبني على أسس علمية ولا تجريبية , ونعرف تماماً أنه لا يوجد فعلياً اقتصاد إسلامي , ووصف آخر الاقتصاد الإسلامي بأنه أكذوبة .
ومن المؤسف أن يتجاهلا دعوة الفاتيكان في 2009 لتبني التمويل الإسلامي ولو جزئياً كمخرج من الأزمة الاقتصادية العالمية , وأن يتناسيا قرار مجلس الشيوخ الفرنسي ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا , وأن يتغافلا عن كثير من أراء الاقتصاديين الغربيين أنفسهم عن وجود الاقتصاد الإسلامي .
الاقتصاد الإسلامي عالمي وعادل
عندما يتم تقديم الاقتصاد الإسلامي على أنه نظام الاقتصاد العالمي العادل الذي يطلبه المحتجون في العالم بعد فشل النظام الاقتصادي الشيوعي وزواله , وكذلك فشل النظام الاقتصادي الرأسمالي في منع حدوث الأزمات الاقتصادية أو علاجها عند حدوثها بصورة جذرية رغم تكرارها مما يوذن بقرب زواله هو الآخر .
هذا التقديم للاقتصاد الإسلامي ليس ناتج عن مبالغة أو عاطفة أو تلاعب بمشاعر الناس للحصول على ريادة أو منفعة دنيوية بل هو حقيقة لا مراء فيها , وإثباتها لا يتطلب جهداً وإنما يتطلب نقاشاً علمياً هادئاً حول الاقتصاد الإسلامي وعالميته وعدله .
الاقتصاد الإسلامي مثل أي اقتصاد آخر له مذهب يعتمد على قواعد ومبادئ حاكمة مستمدة من القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم , فيما يعرف بمقاصد الشريعة الخمس وهي : حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ العقل وحفظ المال وهذا المذهب ثابت لايتغير . أما التطبيق أو النظام الاقتصادي فيختلف باختلاف الظروف والأزمنة والأمكنة , ويقوم على إعمال العقل والاجتهاد في ضوء مقاصد الشرع في رؤية ملكية الثروة وتوزيعها وإدارة شئون الحياة , بعيداً عن الحرام والظلم والاستغلال والاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل .
الشق التنظيري للاقتصاد الإسلامي لا ينكره ولا يختلف عليه أحد من الاقتصاديين , وإن كان بعضهم يعتبره كلاماً عاطفياً ولديه إشكالية تتمثل في طلب نظام أو تطبيق عملي ليتأكدوا من صحته قبل الأخذ به وتعميمه . هذا الطلب رغم أنه يبدو منطقي إلا أنه يؤدي إلى الدخول في متاهة , ليس سببها عجز الاقتصاد الإسلامي في إثبات صحته , ولكن سببها أن الاقتصاد عموماً علم اجتماعي لا يصلح فيه التجربة في المعمل لعدد من المرات لقياس النتائج والتأكد من صحتها قبل التطبيق , وبالتالي فإن أي نظام اقتصادي جديد لن يمكن إثبات فشله إلا بعد تطبيقه ورؤية النتائج على الواقع .
يؤكد ذلك ما حدث بالنسبة للنظم التي تم تطبيقها وثبت فشلها في الواقع مثل النظام الشيوعي , والنظام الرأسمالي الذي فشل في منع الأزمات الاقتصادية أو حتى علاجها وخرجت الاحتجاجات تطالب بتغييره . وهو ما يتطلب تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي للحكم على نتائجه , ولكن هذا لا يجعلنا ننفي تقصير عموم المسلمين وبخاصة الاقتصاديين والعلماء والحكام في عدم تطبيقهم للنظام الاقتصادي الإسلامي ليكون نموذجاً يحتذى به من الآخرين .
علينا أيضاً أن نذكر بأن مبادئ الاقتصاد الإسلامي تم الأخذ بها وتطبيقها في المجتمع الغربي في جميع الأزمات الاقتصادية العالمية , منذ الكساد العظيم في 1929 مروراً بكل الأزمات التالية حتى الوصول للأزمة المالية العالمية الأخيرة في 2008 , التي تم تطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي فيها بصورة واضحة من خلال قرارات تخفيض الفائدة " الربا " إلى الصفر تقريباً , وحظر عمليات البيع القصير في البورصة Short Sale " القمار " .
حقيقة الأمر هي أن الغربيين حينما يطبقون مبادئ الاقتصاد الإسلامي لمعالجة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بهم فإنهم يعترفون ضمنياً بصحة النظام الاقتصادي الإسلامي .
عالمية الاقتصاد الإسلامي الاقتصاد الإسلامي عالمي باعتبار أن من يؤمنون بالإسلام كدين ومنهج حياة كامل 20% من سكان العالم . وعالمي لمعرفة باقي سكان العالم به لدرجة مطالبة المحتجين حول العالم بتطبيق المعاملات المالية الإسلامية في البنوك. وعالمي بمطالبة الفاتيكان رأس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في العالم بتبني تطبيق نظم التمويل الإسلامي . وعالمي بإقرار مجلس الشيوخ الفرنسي أن النظام المصرفي الإسلامي المستمد من الشريعة الإسلامية مريح للجميع سواء كانوا مسلمين أو غيرمسلمين . وعالمي لأن العلماء الاقتصاديين العالميين مثل كينز البريطاني , وشاخت الألماني , ومليسكي الأمريكي , وفريدمان الأمريكي , وموريس آليه الفرنسي الحاصلان على نوبل في الاقتصاد , وغيرهم الكثير , يعتبرون أن الفائدة هي سبب الكوارث والأزمات الاقتصادية في العالم , وهو ما يتطابق مع تحريم الإسلام للربا . وعالمي لأن علماء اقتصاد غربيين منهم دافيد كورتين , وبيتر دراكر , وشانس وغيرهم الكثير لا يقرون تعاملات البورصة لأنها رهان وقمار والإسلام يحرم الرهان والقمار .
عدالة الاقتصاد الإسلامي العدل هو جوهر الاقتصاد الإسلامي ويظهر في ثلاثة مجالات رئيسية هي : مجال الحرية الاقتصادية ، ومجال الملكية ، ومجال التوزيع .
الحرية الاقتصادية للأفراد في الإسلام حرية حقيقية والمنافسة الحرة الشريفة هي أساس الاقتصاد الإسلامي , ولكن حرية الأفراد في ممارسة النشاط الاقتصادي لا تبيح لهم التجاوز واستغلال الآخرين عن طريق الربا أو الغش . ولاتسمح لهم الإضرار بالغير عن طريق الاحتكار أو إنتاج المحرمات كالخمور . ولا تخولهم حبس المال عن الإنتاج أو صرفه على غير مقتضى العقل . وإن حدثت هذه الانحرافات يصير شرعاً على الدولة التدخل لتصحيح هذه الانحرافات لتحافظ بذلك على سلامة النشاط الاقتصادي من المخاطر والأزمات .
الملكية الخاصة مكفولة ومصونة بالشرع ولكنها ليست مطلقة ، بل مقيدة من حيث اكتسابها ومن حيث استعمالها ، إذ المالك الحقيقي للمال في الإسلام هو الله سبحانه وتعالى والبشر مستخلفون فيه وفقاً لمراد وتوجيهات المالك الحقيقي . وتدخل الدولة محدود لضرورات ومصالح شرعية وتكون لمنع إلحاق الضرر بباقي أفراد المجتمع أو لتصحيح ملكية تم حيازتها أو التصرف فيها بطريق غير شرعي . والإسلام يقر الملكية الخاصة والعامة في وقت واحد وهما مكملان لبعضهما وكلاهما ليس مطلقاً بل مقيد بالصالح العام .
التوزيع إن أساس التوزيع في الاقتصاد الإسلامي هو الحاجة في المقام الأول ثم يأتي العمل والملكية والمخاطرة في المقام الثاني , بحيث يضمن الإسلام " حد الكفاية " لكل مواطن ، وذلك كحق له كإنسان يكفله له المجتمع أو الدولة بغض النظر عن جنسيته أو ديانته لقوله تعالى : " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ " سورة الإسراء الأية 26 .
ويحرص الاقتصاد الإسلامي على تحقيق العدالة في توزيع الثروات والدخول لقوله تعالى : " كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ " سورة الحشر الآية 7 , وهذه قاعدة أساسية في النظرية الاقتصادية الإسلامية , والتكافل الاجتماعي بين الأفراد وبعضهم البعض وبين المجتمع والأفراد يهدف إلى إعادة توزيع الثرة بين أفراد المجتمع , والحد من طغيان المال .
الأمر الواضح أن الاقتصاد الإسلامي واقع بين عدم الاعتراف به وإنكار وجوده عن عمد من قبل أعدائه , وبين تقصير وتخاذل أتباعه في القيام بواجبهم نحو تقديمه للعامة ممن يجهلون بوجوده كنظام اقتصادي عالمي عادل .
إن ثورة المحتجين حول العالم ضد الرأسمالية تعتبر دعوة خاصة للاقتصاديين الذين يوقنون بوجود اقتصاد إسلامي عالمي عادل بشقيه النظرية والتطبيق , ويؤمنون انه صالح لكل زمان ومكان , أن يقوموا بدورهم في بيان وشرح قواعد ومبادئ وأخلاقيات الاقتصاد الإسلامي للناس كافة . وأن يقدموا حلول عملية للمشاكل الاقتصادية والمالية التي تعصف بالأفراد والهيئات والدول لينقذوا العالم من كوارث الرأسمالية المتوحشة .
النظام الاقتصادي الاسلامي هو الحل لا شك في ذلك. المشكلة الحقيقية اننا نعاني من جشع البنوك الاسلامية في منطقتنا فهم يطبقونه لغرض جني الارباح بدون اعتبارات انسانية تماما كما يحصل في بنوك العالم الغربي. يكفي ان فوائد البنوك الاسلامية او رسوم ادارية او تكلفة تمويل اعلى من نظيراتها التقليدية في السعودية.
أستاذ عبدالفتاح مشكور على المقال المكتوب بعناية ولكن اسمح لي أن أعلق بأخذ نص من مقالك ذاته وأسألك إذا كنت مقتنع بما تقول: 1. " وبالتالي فإن أي نظام اقتصادي جديد لن يمكن إثبات فشله إلا بعد تطبيقه ورؤية النتائج على الواقع" وتقول كذلك: 2. "وهو ما يتطلب تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي للحكم على نتائجه , ولكن هذا لا يجعلنا ننفي تقصير عموم المسلمين وبخاصة الاقتصاديين والعلماء والحكام في عدم تطبيقهم للنظام الاقتصادي الإسلامي ليكون نموذجاً يحتذى به من الآخرين". فكيف تعرف أنه سينجح وهو لم يطبق قط؟ هل هو مجرد إلهام لديك؟ أم احساس قوي بناء على تفسير من يعتقد بكيفية معينة للاقتصاد الإسلامي؟ سؤال آخر، تقول إن انخفاض الفائدة إلى صفر يؤكد شرعية تحريم الربا، ولكن أنت تعلم إن الفائدة تصبح صفراً فقط عندما يكون هناك حاجة لحث الاقتصاد على النمو وإنه بالضرورة يجب أن ترفع الفائدة لمنع الاقتصاد من النمو المفرط، فكيف توفق بين الحالتين؟ وتحياتي لشخصكم الكريم.