انتشار حركة "احتلوا وول ستريت" حول العالم لتشمل مدنا أوروبية وآسيوية نابع من نقمة المحتجين على الآثار المدمرة، التي ألحقها القطاع المصرفي المالي بالوضع المعيشي لسكان تلك الدول. فالأزمة المالية التي اندلعت نهاية عام 2008 بانهيار بنك ليمان برذرز مازالت تتفاقم، بل وتتطور إلى أشكال أخرى أشد وطأة على الطبقة الوسطى. ولم يبرز خلال الأعوام المنصرمة حتى اليوم أي حل جذري للتأثير السلبي العميق الذي يلحقه هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد. ولهؤلاء المعتصمين الحق في لوم وول ستريت، فجشع المصارف وتهورها هو الذي قاد العالم إلى الركود ومعدلات البطالة المرتفعة وخطط التقشف القاسية.
إحدى المعتصمات في وول ستريت رفعت لافتة تنادي فيها بتطبيق مبادئ الاقتصاد والمصرفية الإسلامية كحل، فهي ترى أن مبادئ المصرفية الإسلامية التي تعتمد على مشاركة جميع الأطراف في الربح والخسارة ستضع القطاع المصرفي في القارب نفسه، وبالتالي لن يقدم على تعريض الاقتصاد لمخاطر غير محسوبة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد الإسلامي يحارب احتكار الموارد الاقتصادية كما هو الحال في فريضة الزكاة التي تستحق في الأموال المحتكرة، سواء كانت نقدا أو عروضا للتجارة. أما فيما يخص المصرفية الإسلامية، فإنها تهدف إلى تحريك الأموال بترتيب العلاقات بين رب المال وصاحب العمل بعقود متنوعة كالمضاربة والإجارة والمشاركة والاستصناع. وبمعنى آخر، فإن المصرفية الإسلامية ليست مصرفية استهلاكية، إنما هي مصرفية استثمارية.
تجربتنا في المصرفية الإسلامية ليست مثالا جيدا يحتذى به، فهي أخذت بقشور هذه الصناعة وتركت اللب. فهي بتركيزها على التورق والمرابحة دفعت الاستهلاك الشخصي إلى أقصى حدوده. ولنا تجربة مريرة في كيفية مشاركة المصارف الإسلامية في خسارة قطاع عريض من المواطنين في انهيار سوق الأسهم السعودي عام 2006. فالقروض التي صرفت للمواطنين حملت طابع المصرفية الإسلامية، وذهبت لتمول فقاعة، ما لبثت أن انفجرت، لتأكل مدخرات المواطنين. ولم يكن ليحد من آثار هذه الأزمة إلا تحرك مؤسسة النقد بتخفيض نسبة الاستقطاع من العميل لتحد من المبلغ الأعلى للتمويل بشكل كبير.
أما على مستوى الاستثمار، فقد كانت صكوك دبي العالمية مثالا سيئا آخر على استخدامنا للمصرفية الإسلامية. فعلى الرغم من أن الصكوك الإسلامية في واقعها تحمل المستثمر فيها جزءا من المخاطر، وبذلك تختلف عن السندات والديون، إلا أن طريقة معالجة أزمة صكوك دبي سلكت منحى المصرفية التقليدية على أساس القانون البريطاني. فلم تتعرض رؤوس أموال المستثمرين لأية خسائر، إنما تم التعامل معها وكأنها سندات تتم إعادة هيكلتها فقط.
اللافتة التي رفعتها المعتصمة في وول ستريت كانت موجهة للقطاع المالي هناك، ولكنها في الوقت نفسه رسالة لنا نحن بأنه حان الوقت لتفعيل أدوات المصرفية الإسلامية الاستثمارية، والابتعاد عن قشورها الاستهلاكية. فنحن أولى بمصرفيتنا من غيرنا.
شكرا استاذ صلاح مشكلتنا أخذنا المصرفية الغربية وحاولنا نجد لها مخرج بطريقة اسلامية وبضعف الربحية .... يعني بنوكنا جشعها أسواء من جشع البنوك الأجنبية للاسف!! أصبحت الأموال غاية وليست وسيلة ... لذلك أصبحت تتركز بيد القلة لأنهم المتحكمين في القوانين والانظمة والأسواق والله المستعان
أستاذ صلاح الدين أرجو ان لا يكون حال مقالك حال الكثيرين الذين لا يريدون للمصرفيه الاسلاميه ان تمارس,,, وهذه بعض الاشياء التي اتت بأيحاء من مقالتك 1- اذا كانت التجربه السعوديه برأيك غير جديره ان تكون مثالا,, فلعل التجربه الكويتيه والماليزيه تكون تجربة تستحق النظر,,, بحكم انها تجربتان حرصتا على مشاركة صاحب المال مع المستثمر... 2- لو سلمنا ,,, جدلا,, بأن جزء من مشكلة انهيار السوق المالي 2006, كان بسبب المصرفيه الاسلاميه,, فهل ستكون النتيجه أهون والانهيار أقل ,,فيما لو قامت البنوك بأعطاء الناس قروض حسنه,, يعني بدون أي فائده ماليه عليهم؟؟؟,, ام ان الامر كله مرتبط بوعي المستثمر للمال الذي اقترضه,, سواء جاء هذا الاقتراض من مصرفيه اسلاميه,أو من بنوك تقليديه, ربويه,, او من قروض حسنه((( مجانيه))). 3- اذا الرأسماليين غير راضين عن تعامل مؤسساتهم الماليه, وبعض ابناء الدول الاسلاميه غير راضين عن تجربة المصرفيه الاسلاميه,, فالغشم ان يبدي الكتاب الاقتصاديين أقتراح لطريقه تعامل ماليه تكون بمثابة (( أخف الضررين)).