عند رؤية سعر صرف اليورو مقابل الدولار، نجد أنه على مدى العامين الأخيرين، أي منذ اندلاع أزمات الحكومات المثقلة بالديون، فإن يراوح بين 1.5 دولار و1.2 دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن سعر صرفه قبيل اندلاع الأزمة المالية العالمية فإنه كان عند مستوى 1.3 دولار. أي أن الأزمات المالية لم تؤثر بشكل كبير على سعر الصرف. هذا يخالف بطبيعة الحال الوضع الطبيعي لأي دولة تتعرض لمشاكل مالية أو اقتصادية، فتحاول تخفيف أعباءها من الديون بتخفيض عملتها، أولا لتتمكن من تموين نفسها بالدولار وإعادة تسديد ديونها بسعر أقل تكلفة، وثانيا فإن خفض قيمة العملة يعطي منتجات الدولة ميزة نسبية من ناحية انخفاض تكلفتها على الدول المستوردة، فتتحرك عجلة الاقتصاد بوتيرة أسرع.
مشكلة اليورو أن تفويضه هو في العمل على الحفاظ على مستوى محدد من التضخم فقط. ولا يدخل ضمن هذا التفويض العمل على الوصول إلى المعدل الأمثل من البطالة كما هو الحال بالنسبة للاحيتاطي الفيدرالي الأمريكي، وعدد كبير من البنوك المركزية حول العالم. وفي حفاظه على سعر صرف مرتفع لليورو، فإنه بذلك يعمل كحائط صد أمام استيراد التضخم الناتج عن سياسات التخفيف الكمي للدولار. والتي انعكست بشكل واضح في النصف الأول من هذا العام على أسعار السلع الأولية. وقد أثبتت هذه السياسة جدواها حتى شهر أغسطس الماضي، وفيه وصل معدل التضخم في منطقة اليورو إلى 3%، وهو ما يزال أقل من مثيله في أمريكا عند 3.8%، ولكنه أعلى من معدل التضخم المستهدف عند 2%.
منطقة اليورو تتعرض لأزمة متعددة الأوجه. فمن جهة هي أزمة ثقة، وقد حاول الساسة مرارا وتكرارا التأكيد على الدعم الكامل لمنطقة اليورو، وآخرها في إعلان ميركل ساركوزي المشترك حول خطة طريق لإيجاد حل لأزمة الديون السيادية وإعادة هيكلة المصارف. الوجه الثاني هو أزمة سيولة، فمنذ انتهاء عملية التخفيف الكمي الثانية التي قام بها الاحتياطي الفيدرالي، بدأت مشاكل المصارف الأوروبية المالية بالتفاقم، حيث أنها كانت المستفيد الأكبر من هذه السياسة. والوجه الأخير هو أزمة ملاءة. فالعجزوات في ميزانيات دول منطقة اليورو في تفاقم مستمر وصلت بوضع تصنيف ثاني أكبر اقتصادياتها (فرنسا) تحت المراقبة مع احتمال وصمه بنظرة مستقبلية سلبية تهدد التصنيف الائتماني المميز عند AAA.
منطقة اليورو ستخرج من هذه الأزمة بشكل أو بآخر، وستغدو شوكتها أقوى مما مضى. فحتى لو أدت أزمة مصارفها إلى انزلاق الاقتصاد العالمي إلى ركود جديد، فإنها قطعت أشواطا طويلة نحو حل مشاكلها بشكل جذري. على سبيل المثال، فإن اقتراح تعين وزير مالية لمنطقة اليورو يشرف على ميزانيات الدول المنضوية تحت مظلة اليورو لم يكن ليلقى قبولا لولا الأزمة التي تعصف بها في هذه الأيام. وكما هو واضح فإن العمل على حل مشاكل اليورو تقع مسؤوليته الأولى على دوله على الرغم من تأثر باقي دول العالم الكبير بكل ما يجري في أوروبا. هذا الضغط الكبير هو ما سيخلق منطقة يورو جديدة أكثر انضباطا وأكثر قدرة على المنافسة على ساحة الاقتصاد العالمي، كما أريد لليورو أن يكون في بدايته قبل نحو أكثر من عقد.
فكرة سهلة، لكنها انتحار لليورو. الدول والمؤسسات والأشخاص الذين يملكون اليورو سيخسرون بهذه العملية بقدر هبوط قيمة اليورو وسيفقد اليورو ثقة الناس.
شكرا المعتصم بالله هذا بيت القصيد. فلا يمكن لليورو استقطات رؤوس الأموال لتمويل العجوزات الحكومية أو حتى الاستثمارات الأجنبية في حال خفضت المنطقة من سعر صرف اليورو بشكل مستمر. فالمستثمر سينتظر حتى يشتري السند بسعر أرخص. هذا ما تفتقده منطقة اليورو ويتمتع به الدولار، باعتباره منطقة استثمار آمنة. فحتى عندما كانت المؤشرات والسياسات تؤكد انخفاضه مستقبلا، لم يتأثر تدفق الأموال على السندات الحكومية الأمريكية.