انتهت زوبعة تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية بآثار تمكنت أسواق المال العالمية من امتصاص صدمتها على المدى القصير. ولكنها في نفس الوقت كشفت عن مشاكل هيكلية في الاقتصاد العالمي، وبالأخص اعتماده على الدولار كعملة احتياط رئيسية. فقد تبعت الأزمة تخفيض لتوقعات كافة المؤسسات المالية العالمية للنمو المتوقع على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، وأكدت أن الحلول المتاحة في يد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كلها ستسهم في اندلاع أزمة تضخم عالمية. من هنا تبرز مشكلة رئيسية في الاقتصاد السعودي لارتباطه المحكم بالدولار واعتماده الشبه كامل على إيرادات النفط. فقد تمكنت السعودية من تجاوز أزمة تضخم كبيرة في أعوام الأزمة المالية العالمية بسبب أزمة ديون منطقة اليورو، والتي أدت إلى انخفاض قيمته مقابل الريال.
اليوم نجد أنفسنا أمام فسحة من الوقت لإعادة ترتيب أوراق الاقتصاد السعودي في مواجهة التضخم أتاحتها لنا التخفيضات في توقعات النمو العالمي، والتي حتى طالت الاقتصاد السعودي. فصندوق النقد العالمي خفض توقعه للنمو في السعودية من 7.5% إلى 6.5% والسبب الرئيس يعود إلى انخفاض توقعات الزيادة على النفط. أما فيما يخص التضخم، فإن التوقعات العالمية تشير إلى وصوله إلى 6.9%، ومؤسسة النقد لا تعارض هذه الأرقام بل تدعهما بزيادة الإنفاق الحكومي والاستهلاكي في رمضان والأعياد، خصوصا في مجموعتي السلع الغذائية والترميم والإيجار.الفرصة المتاحة جاءت في انخفاض توقعات النمو على النفط. ولذلك فمن المتوقع أن ينخفض فائض الميزانية من 12% إلى أقل من 9% من إجمالي الميزانية. بمعنى آخر أموال أقل للاستثمار في السندات الأمريكية التي لم تعد خالية من المخاطر.
الإنفاق الحكومي آثاره التضخمية مباشرة وسريعة. إلا أنها إن كانت تؤسس لقاعدة من العوائد المستقبلية الغير مرتبطة بالنفط، والتي يكون لها أثر مباشر في رفع كفاءة الاقتصاد ومتوسط دخل الفرد، فمن الضروري العمل عليها بوتيرة تتناسق مع الفترة المتاحة بسبب التباطؤ العالمي. وهذه السياسة يجب أن تصل بنا إلى تخفيف استيرادنا للتضخم العالمي. على سبيل المثال، فإن توسعة الحرمين اللتان تم إقرارهما والبدء فيهما، والتي تصل إجمالي تكاليفها إلى أكثر من 120 مليار ريال ستزيد من حجم أعمال هاتين المدينتين على كافة المستويات. وهي تعني أيضا استثمارات أقل في السندات الأمريكية. بالإضافة إلى هذه المشاريع الضخمة فنحن بحاجة إلى إرساء قواعد بنية تحتية متكاملة مثل سكتي حديد الخليج وأخرى تربط شرق المملكة بغربها لتسهم في رفع التجارة البينية وكفاءة استهلاكنا من النفط. يبقى أخيرا الإسراع في خطوات الوحدة النقدية الخليجية تتمكن من مقارعة العملات الجديدة الصاعدة التي ستحل محل الدولار على المدى الطويل.
كلام جميل وأتفق معك تماما