انا لا استغرب عندما يتساءل القارىء العادي هل بعد خمسين سنة سيستغني العالم عن بترول دول مجلس التعاون فيفقد ذهبهم الأسود قيمته ولا يجدوا من يشتريه منهم. لكنني استغرب وأصاب بصدمة الى درجة الاحباط عندما أجد بعض المتخصصين في اقتصاديات الطاقة لدينا يسألون نفس هذا السؤال.
السؤال الذي يجب على المتخصصين ان يسألوه (ويجاوبوا عليه) هو هل بعد خمسين سنة سيبقى شيء من البترول الرخيص (أي الذي لا يتجاوز تكاليف استخراجه الآن العشرة دولارات للبرميل) أم ان تكاليف استخراج المتبقي منه (اذا كان سيبقى منه شيء صالح للاستخراج بسبب الاستنزاف) سترتفع فيفقد ميزته الريعية كمصدر للدخل.
الفرق بين السؤالين كبير جدا كبعد السماء عن الأرض. فالسؤال الأول مقبول من العامة لأنهم كل يوم يسمعون الجديد في الأخبار عن تطوير البدائل (لا سيما السيارات التي تسير على غير البترول) ولا يسمعون كثيرا عن معدلات الاستنزاف العالية التي يتعرض لها البترول الرخيص. ولذا يتأثر غير المتخصصين بحكايات عجائز البترول (الشبيهة بحكايات الجدات لتنويم احفادهن) بأن العصر الحجري لم ينقرض لانقراض الحجر بل لاستغناء الانسان عن استعمال الحجر كأداة واستبداله بالأدوات الحديثة.
بالتأكيد انه لا يوجد احد من الناس يستطيع ان يدّعي انه يعرف الغيب فينقل لنا بدقة متناهية صورة واضحة عن وضع اسواق الطاقة بعد خمسين عاما.
لكن بالتأكيد يمكن لبعض الخبراء وكذلك الجهات المتخصّصة ان يضعوا عدة سيناريوهات واقعية (وهذا ما احاول انا ان افعله شخصيا) استنادا الى ما يحدث الآن على ارض الواقع من عدم اكتشاف احتياطيات جديدة، ونضوب احتياطيات شركات البترول العملاقة واندفاعها للتنقيب عن البترول في شتى الأصقاع النائية والمهجورة، واضطرار هذه الشركات للحفر على مسافة اميال تحت مياه البحر للوصول الى البترول. كذلك حملات الدعاية في الدول المتقدمة للترويج - ليل نهار - لما يسمى البترول غير التقليدي رغم تكاليفه العالية وما يسببه من كوارث بيئية تؤدي الى دمار الأرض.
كارثة شركة البترول البريطانية العملاقة BP تحت المياه العميقة في خليج المكسيك (كمجرد مثال واحد) وضّحت للعالم بأن زمن اكتشاف البترول السهل والرخيص اصبح تاريخا من الماضي ولم يتبق من البترول الرخيص الآن غير القليل الذي اذا لم يكن قد وصل بالفعل فأنه لا شك على وشك الوصول الى الذروة.
كل هذه الدلائل (وهي قليل من كثير) تشير الى ان البترول الرخيص قد وصل الذروة ولن يلبث طويلا حتى ينتهي العصر الذهبي للبترول الرخيص ليس لأن العالم سيستغني عنه (كما يتصور العامة وبعض أدعياء التخصص) بل لأن البترول الرخيص بعد خمسين سنة سيصبح نادرا كالغول والعنقاء والمحلّل الاقتصادي الوفي.
بعد انتشار فكرة ان الطلب على البترول ايضا (وليس فقط العرض) قد يصل الى الذروة حاولت استخدام نموذج بسيط يجمع بين دالّة الطلب على البترول ودالّة عرض البترول وزوّدت النموذج بأدق المعلومات (DATA) المتاحة وكانت النتائج دائما ان الطلب لن يصل الذروة في المدى المنظور (اي العشرين سنة القادمة) بينما العرض يمر بمرحلة تنطبق على ما يمكن ان نسميه الذروة. معنى هذا ان قيمة البترول ستأخذ في التصاعد باستمرار كي تكبح الفجوة بين العرض والطلب.
المفاجأة هي انه حتى عندما أدخلت الى النموذج افتراض الاستعانة بالتكنولوجيا المتقدمة لزيادة ضخ البترول فأنه قد يمكن تأجيل ذروة العرض لعدة سنوات ولكن فجأة سيبدأ العرض في الانحدار السريع ومعنى هذا ان التكنولوجيا قد تساعد على زيادة معدل الانتاج (بالأحرى سرعة الاستنزاف) ولكنها مستحيل ان تضيف برميلا واحدا الى البترول في الموقع.
حتى لو افترضنا ان الطلب سيصل الى الذروة ويبدأ في الانخفاض الا ان معدلات انخفاضه ستكون اصغر (بسبب بطء معدلات تطوير واحلال البدايل) من معدلات انخفاض العرض وبالتالي سيبقى الطلب يطارد العرض فتستمر اسعار البترول في الارتفاع.
الخلاصة ان الدول التي تستطيع ان تحافظ على بترولها الرخيص للمستقبل مهما طال الزمن ستكون هي الرابحة في آخر المطاف لأن البترول خير مستودع للقيمة.
جزيت خيرا
اولا شكر لك يا دكتور اتفق في كثير مما ذكرت واضيف عليه ان ما يمسى بالمختصين قد يكونو أجهل من العامه بالعكس هناك من العامه يملك من الفطنه ماليس عند المختصين والفرق الوحيد انه ينقل المعلومه باسلوب بلدي بينما المختص يصيغ لك الخطأ باسلوب ومصطلحات علميه !! ثانيا اعتقد انه بعد 50 سنه سوف لن يكون هناك بترول اصلا . البترول ما قصر صراحه وهو نعمه عظيمه وكل نعمه الى زوال .
عجزنا وحنا نوضح للنعيمي و لشلة الاغبياء الي في ارامكو انهم يرتكبون جريمة بحق الوطن من خلال ضخهم المفرط للنفط بالمجان ... يجب عليهم توفير جزء للمستقبل ... لكن مع الاسف ارامكو مختطفه من قبل نظام موالي لايران !
يجب المحافظة على البترول فى مكامنه لانه ثروه وللاجيال القادمة جزء منها
هـــذه البـــدائل ..... الذي يتكلم عنها الجميع ليست وليدة اللحظة !!!! وأُشبعت كلاما ومحــاولات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات عندما إرتفعت أســعار النفط بأسباب الثورة الإيرانية على الشـــاة والحــرب العراقية الإيرانية .....، فكم طـــائرة ، وســـيارة ، ومصـــنع .... أُضيـــف من ذلك التاريخ ، وكــــلها تعمـــل بالنفط ؟؟؟؟؟ !!!!!!
الاجيال القادمة ماذا ستقول عنا هل ستكون مثل الولد البار تدعي لنا ونتنعم في قبورنا إذا حفظنا الامانة واستثمرنا الثروات أحسن استثمار؟؟
مقال رائع بارك الله فيك