الاقتصاديون في الوقت الحالي يستخدمون نظرية التحكم المثاليOptimal control theory (معادلات رياضية تستخدم الزمن كمتغيّر مستقل independent variable) للتوصل الى اتخاذ القرار المثالي (الأرشد) لحل مشكلة الندرة الأقتصادية في استغلال الموارد الطبيعية التي وهبها الله للأنسان، لقد كان أّول من استخدم هذه النظرية في علم الاقتصاد هو هارولد هوتلنق عندما طبقها عام 1931 (قبل ثمانين سنة) على حل مشكلة الموارد الطبيعية الناضبة (كالبترول).
ولكن الآن - بعد ان تطور الاقتصاد الى علم تطبيقي - اصبحت هذه النظرية تطبّق على نطاق واسع في استغلال جميع الموارد الطبيعية (سواء الناضبة او المتجددة) لا سيما مع بداية القرن الواحد والعشرين بسبب انتشار الوعي بين الناس ممّا ادى الى الأهتمام العالمي بالبيئة و اصبح مفهوم الأستدامة Sustainability واحد من أهم الأهداف التي تنادي بها الأمم المتحدة وتعقد لها اجتماعات دورية على اعلى المستويات باسم قمة الأرض (يشارك فيها رؤساء جميع دول العالم) واصبحت كلمة التنمية المستدامة شعار (او موضة) تتردّد على لسان جميع المسؤولين تلقائيا في جميع انحاء العالم.
القاسم المشترك بين الموارد الطبيعية الناضبة والموارد الطبيعية المتجددة ان كلا منهما هبة من الله الى الانسان (الغربيون يسمونها Mother Nature’s Gift) أي هدية أمّنا الطبيعة لأبنائها البشر.
لكن يوجد فرق كبير بين الاثنين هو ان مخزون الموارد المتجددة ينمو (يتكاثر) طبيعيا مع الزمن بينما مخزون الموارد الناضبة ثابت (لا يتغير تقريبا) طبيعيا مع الزمن.
لو أخذنا مخزون السمك كمثال للموارد الطبيعية المتجددة فإنه في بداية الخلق ينمو بنسبة منخفضة (فلنقل 1% مثلا) ثم تزداد نسبة النمو تدريجيا الى ان تصل الى اعلى نسبة (5% مثلا) ثم تأخذ نسبة النمو الصافي (المواليد ناقص الأموات) في التناقص تدريجيا الى ان تصل الى الصفر تقريبا.
هذا يعني اننا لو تتبعنا تاريخ حياة السمك - عبر الزمن - ثم رسمنا معدل نمو السمك على ورقة نجد ان معدل نمو السمك يشبه شكل الجرس المقلوب الذي يبدأ من السفح ثم يأخذ في الارتفاع تدريجيا الى ان يصل القمة ثم يبدأ ينحدر تدريجيا الى ان يعود الى السفح.
السبب في هذا التغير في معدل نمو السمك (اتخاذ شكل الجرس) يرجع الى ان السمك في البداية يعيش في سعة من المكان وتوفر الغذاء فينمو بسرعة الى ان يكثر العدد ويبدأ التزاحم في المكان والتسابق على الطعام ويبدأ السمك الكبير يأكل السمك الصغير فتنخفض نسبة النمو.
يجب ملاحظة ان شكل الجرس المقلوب لمسار نمو السمك يحدث طبيعيا (اي في حالة ترك السمك يعيش من غير ان يصيد الأنسان السمك).
اذن السؤال هو ما الطريقة المثلى لصيد السمك؟ تجاوب نظرية التحكم المثالي على هذا السؤال (وليعذرني المتخصصون على التبسيط ) هو انه ينبغي للجهة المخطّطة (صاحبة القرار) ان تختار كمية الصيد (تسمى Choice variable) بالسير على منحنى معدل نمو السمك (الجرس المقلوب) الى ان تصل الى اعلى معدل نمو (اي قمة الجرس) ثم تسير بمهل (تنتقل من نقطة لنقطة) على الجزء المنحدر من الجرس الى ان تصل الى النقطة التي يتوازن فيها معدل التوالد مع معدل الصيد بحيث يتحقق صيد اكبر كمية من غير ان ينقص المخزون. ثم تراجع الجهة المخططة (صاحبة القرار) في نهاية كل فترة زمنية قرارها فاذا تبين ان الصيد كان اقل من المعدل الأمثل تزيد الكمية المتاحة للصيد اما اذا تبين ان الصيد كان جائرا (يخل بالتوازن الأمثل) فانها تخفض الكمية المسموح بصيدها (اي أن لا تكون زيادة حصاد سنة على حساب نقص حصاد سنة اخرى). هكذا يمكن ان يحقّق الجيل الحالي أقصى منفعة من غير ان يضر بنصيب الأجيال القادمة.
هذا بالنسبة للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتجددة كالسمك وكذلك - مع بعض التعديل - بالنسبة لاستغلال الغابات، والمراعي، والحيوانات البرية كالغزلان والطيور وحتى الضبان.
أما بالنسبة للموارد الناضبة كالبترول والغاز والفحم والمعادن النفيسة فان طريقة استغلالها تجعل الانسان امام خيار صعب و خطير لأن الذي نستحرجه اليوم - حتما - لن نجده في الغد.
الموضوع بالنسبة للدول التي يعتمد اقتصادها اعتمادا كليا على الموارد الناضبة (كالشقيقات الست في مجلس التعاون) فان التوصل الى اتخاذ القرار السليم يعتبر بمثابة قضية حياة او موت.
الأسبوع القادم - ان شاء الله - سنحاول ان نلقي بعض الضوء على الطريقة المثلى لاستخراج الموارد الطبيعية الناضبة. ونحاول ان نجاوب على سؤال هل استطاعت دول االبترول (لاسيما الأخوات الستة) ان تحقق تنمية مستدامة من ايرادات البترول.
ملاحظتان سريعتان يا د. أنور: 1) مخزونُ الطاقاتِ المتجددة (الشمس والرياح وغيرها) في الكونِ لا ينمو ولا يتكاثر .. ولكنه ثابتٌ ومحددُ وفقاً لقانون إينشتاين في الفيزياء !!!!... ولكنها تتحول من شكلٍ طاقة إلى أخر!! (ضوئية أو حركية إلى كهريائية مثلاً)!!!.... 2) مخزونُ الموارد الناضبة، في أحسنِ تقدير، هي أرقامٌ إحتهادية محدودةُ بعلمِ الإنسان الحالي وإقتصاديات التقنية الحالية التي يستخدمها!!!.. فحدودُ المعرفة البشرية والإقتصادية (وهي متغيرة ونامية) هي التي تحدد كمية المخزون بباطن الأرض. وعليه، فأن برميلَ البترول الذي نستخدمه قد يتمُ إستبداله مستقبلاً ببرميلين تحت الأرض أو على الأقل يتم إستبداله ببرميل مماثل بعد نمو معارفنا المحدودة !!!... والله أعلم
حقيقةٌ رياضية أخرى: حتى يتمُ تحديدُ المقدار الأمثل (أو الأرشد) للمورد الناضب، فيجب أن تكون معادلة المورد الناضب بإستحدام الزمن (كعنصر مستقل) هي من الدرجة الثانية (فيها حد تربيعي) أو أكثر!!!... ومن ثم إجراءُ حساب التفاضل للمعادلةِ وجعلِ نسبة متغير المورد إلى متغير الزمن صفراً وحلُها رياضياً !!!.... وكون معادلةُ المورد الناضب هي من الدرجة الثانية فأكثر، لهي دليلٌ رياضي على أن نسبة نمو المورد هي أسرع من الزمن !!!... والسببُ المنطقي لذلك، والله أعلم، هو تطورُ العلم البشري وإقتصاديات التقنية مستقبلاً !!!!