النفط الصخري... دوره في صناعة النفط والغاز العالمية

17/09/2025 0
وليد خدوري

تم اكتشاف تقنية إنتاج النفط الصخري خلال عقدي الثلاثينات والأربعينات للقرن العشرين. لكن لم يتم الإنتاج التجاري للنفط الصخري حتى عام 2014، علماً بأن أسعار إنتاجه مرتفعة. إذ تكاليف إنتاج النفط الصخري عالية نسبياً (نحو 45 دولار للبرميل، مقارنة بنحو 10 إلى 15 دولاراً لإنتاج البرميل من نفوط أقطار الخليج العربي)، بدأ الإنتاج التجاري للنفط الصخري في الولايات المتحدة في عام 2014، وقفز معدل الإنتاج إلى معدلات عالية بسرعة ليصل إنتاج النفط الصخري الأميركي في عام 2024 إلى نحو 13.2 مليون برميل يومياً، معظمه من أحواض «بيرمين» في الولايات الجنوبية تكساس ولويزيانا ونيومكسيكو وكميات محدودة نسبياً من أحواض «بيرمين» في بعض الولايات الشمالية. وقد ساعد الارتفاع العالي والسريع للنفط الصخري خلال الأعوام العشرة الماضية إلى رفع مركز الولايات المتحدة إلى مجموعة أعلى الدول المنتجة للنفط، مع كل من السعودية وروسيا، وكذلك رفعها إلى مجموعة أكبر الدول الغازية، مع كل من روسيا وقطر وإيران.

توسعت صناعة النفط الصخري عالمياً خلال السنوات العشر الأخيرة، لتشمل نحو 41 دولة، من ضمنها الولايات المتحدة، التي لا تزال تحتل المنزلة الأولى في ضخامة الاحتياطي والإنتاج، بينما يستمر إنتاج النفط الصخري في كثير من دول العالم الأخرى بمعدلات محدودة نسبيّاً بالنسبة إلى إنتاج الولايات المتحدة، بالإضافة إلى كميات محدودة نسبيّاً في أميركا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل)، وأوروبا (بولندا، فرنسا، أوكرانيا، روسيا)، وآسيا (الصين، الهند، باكستان) وجنوب أفريقيا.

والبداية مع ما هو متوفر من نفط صخري في الدول العربية.

اكتشفت «أرامكو السعودية» حقل الجافورة العملاق في عام 2014. ويعتبر «الجافورة» أكبر حقل غاز صخري في السعودية والشرق الأوسط، حيث تقدر احتياطياته نحو 229 تريليون قدم مكعبة من الغاز و75 مليار برميل من المكثفات. بدأت «أرامكو السعودية» في تطوير الحقل عام 2020 بتكلفة نحو 100 مليار دولار.

من المتوقع أن يزود «الجافورة» نحو 60 في المائة من خطة «أرامكو السعودية» لتطوير وزيادة اعتمادها على الغاز بحلول عام 2030 لتشارك «الجافورة» مع «خطة الغاز الرئيسية» التي طوّرتها السعودية خلال عقد السبعينات بالاستعمال المكثف للغاز المصاحب لتقليص حرقه. وتدل المؤشرات على أن «الجافورة» سيصبح المصدر الأساسي والأعلى لإمدادات الغاز لشركة «أرامكو»، التي ستشكل مع الإمدادات الحالية من الغاز الحر والغاز المصاحب المتوفر لديها تلبية الطلب المتزايد من قطاع البتروكيماويات ومحطات الكهرباء المحلية، الأمر الذي يعني الاستمرار في تلبية الارتفاع المستمر للطلب على الغاز محليّاً، بالإضافة إلى تقليص الانبعاثات في السعودية، نظراً لضخامة إنتاج «الجافورة» بالنسبة للغازات الأخرى، ولاستعمال الطاقات المستدامة أيضاً في السعودية.

من جهة أخرى، يتوفر الغاز الصخري في أقطار شمال أفريقيا التالية؛ مصر (نحو 100 تريليون قدم مكعبة)، وليبيا (نحو 122 تريليون قدم مكعبة)، والجزائر (نحو 707 تريليونات قدم مكعبة في 7 أحواض)، على الصعيد العالمي، استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق دور الريادة في مجال الاكتشاف والإنتاج للنفط (النفط والغاز) الصخري، من خلال دور الشركات الاستثمارية صغيرة الحجم في بادئ الأمر، ومن ثم الشركات العملاقة، وبفضل القوانين الأميركية المرنة التي تؤهل الشركات الصغيرة للاستثمار والمخاطرة الاقتصادية في مشاريع حديثة العهد.

هذا طبعاً بالإضافة إلى توفر أحواض «بيرمين» في الولايات الجنوبية بالذات، وبعض الولايات الشمالية بكميات محدودة، ومن ثم «التكسير الحفري» مع ضخّ كميات ضخمة من المياه الممزوجة بالكيماويات في الآبار للحصول على النفط الصخري، الأمر الذي أثار اعتراضات واسعة لدى الرأي العام الأميركي وجماعات «الخضر» خوفاً من تلوث الأنهر، يتم الحصول على النفط الصخري بحفر الآبار عن طريق التكسير الحفري للصخور مع الاستعمال الواسع للمياه الممزوجة بالكيماويات، التي تتوجه في نهاية المطاف إلى الأنهر.

سوقياً، استطاع كل من النفط والغاز الصخري أن يلعب دوراً مهماً خلال السنوات العشر الماضية. فبالنسبة للنفط، ارتفع كل من الاحتياطي والإنتاج الأميركي إلى معدلات قياسية، حيث أدى ارتفاع إنتاج النفط الصخري إلى تحويل الولايات المتحدة من دولة مستوردة مهمة للنفط إلى دولة مصدرة له، بحيث ارتفعت صادرات النفط الخام الأميركية في عام 2024 إلى 4.1 مليون برميل يومياً، الأمر الذي عالج تحدياً كبيراً ومزمناً للولايات المتحدة، وهو التخلص من الاستيراد والاعتماد الواسع على استيراد النفط والوصول الى «الاكتفاء الذاتي»، حتى تصدير النفط الخام، بدأت على إثره تلعب الولايات المتحدة دوراً أكبر في التأثير على الأسواق والأسعار العالمية، طبعاً مع التحفظ على انخفاض كبير في الأسعار نظراً لتأثيرها السلبي على إنتاج النفط الصخري.

أما بالنسبة للغاز الصخري، فقد أدى اكتشافه وزيادة احتياطاته إلى تشييد صناعة تصدير الغاز المسال الأميركي، بدلاً من استيراده، وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل تصدير الغاز المسال للأسواق العالمية، منها الصين. وهناك منافسة جيوسياسية متوقعة مع روسيا حول تصير الغاز إلى السوق الأوروبية الضخمة بعد انتهاء حرب أوكرانيا واحتمال رفع الحظر الأوروبي عن النفط الروسي.

قاطعت الأقطار الأوروبية استيراد الغاز الروسي عبر شبكات خطوط الأنابيب الواسعة مع أوروبا، التي بدأت موسكو تشييدها منذ منتصف عقد الثمانينات، وبدأت الأقطار الأوروبية تعويض الغاز الروسي بإمدادات غازية من أكبر عدد ممكن من الأقطار عبر عقود طويلة المدى.

تعني العقود الغازية الطويلة المدى ضرورة الاستمرار بالاستيراد من دول متعددة، لكن محدودة. وهذا الأمر يطرح السؤال؛ ماذا عن إمكانية الاستيراد المستقبلي من كل من الولايات المتحدة أو روسيا؟ وما ردود الفعل المتوقعة من الدولتين الكبريين؟ لقد عبّرت واشنطن عن رأيها بالموضوع عند محادثات التعريفة الجمركية مع السوق الأوروبية مؤخراً، إذ طالبت أن تستورد أوروبا سنويّاً بضاعة إضافية عما تستورده الآن بقيمة مئات الملايين من الدولارات، وهذا أمر غير ممكن لأوروبا دون استيراد الغاز المسال الأميركي الأعلى ثمناً من غاز الأنابيب الروسية.

ستكون أقطار السوق الأوروبية أمام خيارات محدودة وصعبة؛ الاستمرار في العقود الحالية ذات المصادر المتعددة، أو استيراد إمدادات ضخمة من الغاز المسال الأميركي، أو غاز الأنابيب الروسي. في كل الأحوال ستواجه أوروبا ضغوطاً من إحدى الدولتين الكبريين أو صعوبات في التعامل مع الدول ذات العقود الطويلة الأجل (نحو 25 عاماً) وكيفية الاستمرار بها.

ومن المتوقع أن تشهد أوروبا ضغوطاً سياسية، بل عسكرية، بدأنا نشاهد ملامحها الأولى في الدول الأوروبية الحديثة العضوية في الحلف الأطلسي والمجاورة لروسيا، أو ضغوطاً من الولايات المتحدة، نظراً لتغيير أنماط تجارتها الدولية وتعديل ميزان المدفوعات لصالحها مع مختلف الدول.

 

نقلا عن الشرق الأوسط