كان العالم يسير اقتصادياً نحو العولمة والتكامل نتيجة للسياسات الاقتصادية المتخذة في المنظمات الدولية، والتي تلتزم بها جميع الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات. وصحيح أن العالم لم يصل للوضع المثالي اقتصادياً، ولكن الأمور كانت مقبولة لحدٍّ ما لدى جميع الدول، أتى الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقلب وضع الاقتصاد العالمي رأساً على عقب. وهو في نهاية المطاف يبحث عن مصلحة بلده، والسبب المعلن هو تعديل الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة الأميركية. وتقليص عجز الميزان التجاري، محاولة إعادة الصناعة للأرض الأميركية بدلاً من أن تكون خارجها، وقد يكون هناك أهداف أخرى لم يعلن عنها، وهذا من حق الرئيس الأميركي.
ما يهمنا هو ما هي نتائج القرارات الأميركية على الاقتصاد العالمي؟
أولى هذه النتائج هي زيادة التضخم. ثانياً، ضعف التبادل التجاري بسبب الحماية الجمركية العالية المفروضة على السلع. ثالثاً، التضخم سيضعف الطلب؛ ما يعود بالضرر على منتجي السلع والخدمات؛ ما يضطرهم لتسريح العمالة، ومن ثم زيادة البطالة، لا سيما أن نقل المصانع من بلد لآخر ليس سهلاً، ويحتاج لوقت طويل لتمهيد الأرضية، وليعرف الصناعيون ومقدمو الخدمات أين سيضعون أقدامهم من حيث الأنظمة والضريبة والتسهيلات المقدمة وغيرها. وقد يستغرق نقل المصانع من بلد لآخر وقتاً طويلاً لن يتحمله الاقتصاد.
أما أهم نتيجة بعد هذه القرارات، فهي عدم وثوق الدول بالمعاهدات الدولية الاقتصادية، وعدم الركون إليها؛ ما يضطر الدول لحماية نفسها بشكل فردي. وبدلاً من التبادل التجاري الدولي المبني على المصالح، ستتجه الدول لمحاولة الاكتفاء الذاتي، خاصة من السلع الرئيسية كالغذاء. ومع يقيني باستحالة ذلك؛ نظراً لأنه ليس كل الدول لديها مقومات الزراعة، فأنا على يقين أن كل دولة ستحاول تحقيق شيء من الأمن الاقتصادي ولو بالحد الأدنى.
الرسوم الحمائية ستجعل كل دولة تعيد التفكير في وضعها الاقتصادي ووضع الحلول له. ومع تشابك مصالح العالم، واستحالة تحقق العزلة لأي دولة، فعلى أقل تقدير ستعيد الدول صياغة معاهداتها الثنائية لما يحقق مصالحها.
المهم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قلب اقتصاد العالم رأساً على عقب، فهل يكون ذلك في مصلحة الاقتصاد العالمي أو ضده؟ قد يكون ذلك في مصلحة اقتصادات الدول التي ستسعى لتحفيز عمليات الإنتاج لديها، وقد يكون أحد هذه المحفزات إلغاء الرسوم أو تخفيفها. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط