حماية البيئة، وخفض الانبعاثات الضارة ورفع جودة الحياة، من أهداف المملكة الرئيسة التي تعمل على تحقيقها من خلال مبادرات عملية، وتكاملية معززة لبعضها البعض، تشكل فيما بينها منظومة بيئية متكاملة، وفق مستهدفات رؤية 2030، ومن أهم متطلبات حماية البيئة، الحد من إنتاج النفايات بأنواعها، والعمل على تدويرها وتحويلها إلى منتجات محققة لمتطلبات الاقتصاد الدائري، ومعززة للاقتصاد الوطني، وهو ما بدأت المملكة في تحقيقه من خلال إعادة تدوير النفايات، والتعامل معها وفق منظومة اقتصادية متكاملة، وعلى الرغم من أن جهود إعادة تدوير النفايات، في مراحلها الأولى محليا، مقارنة بدول العالم المتقدم، إلا أن إيمان واهتمام الحكومة بأهمية حماية البيئة واستدامتها، وبصناعة التدوير، حملها لمأسسة القطاع، واستكمال تشريعاته، وتنظيمه، ووضع استراتيجياته وتطويره وفق الممارسات الدولية، إضافة إلى إنشاء الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير(SIRC) المعنية بقيادة القطاع وتطويره وخلق متطلبات الاقتصاد الدائري في المملكة من خلال رفع عمليات إعادة التدوير وتوظيف أحدث تقنيات المعالجة، وتطوير مرافق متخصصة لتوليد الطاقة، وبما يعزز مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، والشراكات العالمية.
ارتفاع مخاطر النفايات وتكاليف التخلص من النفايات الصلبة والخطرة وندرة الموارد الطبيعية وتلوث كوكب الأرض والمياه والهواء، يجعل من عمليات إعادة التدوير المحرك الرئيس للسياسات البيئية، وهو ما تستهدفه المملكة، من خلال سياساتها وأنظمتها البيئية المُحدثة، طمر ما يقرب من 90 % من النفايات، يتسبب في أضرار فادحة للبيئة ويحد من الاستفادة من المواد القابلة لإعادة التدوير، ويفقد الاقتصاد فرصا ثمينة يمكن استثمارها لزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتنويع مصادره، وتعزيز قطاعات الإنتاج. التحول عن المرادم، وآلية الطمر المؤذية، من الأهداف الرئيسة التي تحتاج إلى دعم تنظيمي أكبر، وتفهم من المجتمع، وإيمان تام بأهميتها وضرورة تنفيذ استراتيجيتها من قبل الحكومة. فشركة (SIRC) لن تستطيع أن تصنع المعجزات دون التمكين القائم على الاحتياجات الضرورية، والإسراع في تطبيق الأنظمة التي مكنت بعض دول الغرب من تحقيق أهدافها البيئية. فمن غير المقبول التوسع في إنشاء المرادم، واستمرار عملها بأنظمة تسهل عمليات الطمر، بأبخس الأثمان، دون النظر إلى مخاطرها، وتعارضها مع مستهدفات رؤية 2030 البيئية.
ففي الوقت الذي تستهدف فيه الرؤية إطلاق برامج لحماية البيئة وتحسنها ورفع جودة الحياة، وإنشاء المحميات البيئية، ووضع معايير صارمة لقطاع الصناعة، وعلى رأسه النفط والغاز، يتم تأجيل معالجة مخاطر المرادم الصحية، ومشكلاتها البيئية والصحية، وروائحها النتنة، حتى في أهم المدن التي يفترض أن تكون نموذجا لجودة الحياة، ما يستوجب إيجاد الحلول الناجعة للمرادم الصحية المتغلغلة في المدن عموما، والمدن الرئيسة على وجه الخصوص، وتسريع عمليات التحول من المكبات والطمر العشوائي، ونشر الوعي لعملية إعادة التدوير والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، وتعزيز الرقابة، واستكمال الأنظمة ومراجعة القائم منها خاصة ما يتعلق بعمليات التسعير التي يمكن أن يكون لها انعكاس مباشرة على صناعة التدوير من جهة، وحجم النفايات من جهة أخرى. رفع الوعي المجتمعي بأهمية التدوير، وإيجاد نظام فرز النفايات من المصدر، ونقل التقنيات الحديثة وتوطينها، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ودعم الاقتصاد الدائري، وتحقيق الاستدامة وجذب الاستثمارات المحلية والعالمية من ممكنات النجاح.
ما زال الطريق طويلا، ولا يخلو من التحديات، غير أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وكلما كانت خطوات البناء والتطوير محسوبة بدقة، ووفق برامج واستراتيجية محكمة، أمكن تحقيق الأهداف والنتائج الإيجابية. لم تستطع بعض دول الغرب، رغم مقوماتها الاستثنائية، من تحقيق النتائج الإيجابية ورفع نسبة التدوير إلى مستوياتها المقبولة، إلا بعد عقود من التجارب، والجهود المكثفة والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، ورفع ثقافة المجتمع بمخاطر النفايات، وتعزيز دور أفراده في معالجتها، والحد منها، وتحويلها إلى فرص معززة للاقتصاد، ومحققة لمتطلبات حماية البيئة واستدامتها. عقود من التجارب والعمل المكثف، وتثقيف المجتمع، وتعزيز مشاركته العملية في عمليات الفرز من المصدر، المعززة لعمليات التدوير. تجارب عالمية ناجحة يمكن استنساخها محليا لاختصار زمن الرحلة وتحقيق النجاح المأمول.
الشراكة المجتمعية، والتمكين الحكومي، واستكمال الأنظمة المعززة للاقتصاد الدائري، ومعالجة التحديات التي تعيق عمل شركة (SIRC)، وتمكينها، من الجانبين التشريعي والتنفيذي، واعتبار الاقتصاد الدائري المحرك الأهم لمنظومة العمل، والأنظمة، وعمليات الحماية والتحفيز والشراكات المجتمعية والحكومية والدولية هي قاعدة النجاح، المعززة للاقتصاد الدائري، تحقيق متطلبات جودة الحياة، وضمان سلامة البيئة وصحة الإنسان، وبناء مجتمع مستدام ومستقبل أفضل للأجيال القادمة، وتعزيز الاقتصاد أهداف رئيسة يمكن لمنظومة إعادة التدوير الكفؤة تحقيقها، متى وجدت الدعم والتمكين والإيمان المجتمعي بأهميتها.
نقلا عن الجزيرة