أظهرت ديناميكيات أسواق النفط تغيرا طفيفا خلال الأسبوعين الماضيين، ظلت أسعار برنت ضمن نطاق 81.11 و 83.36 دولارا للبرميل. حيث، أدى توقع البعض بضعف الطلب إلى إبقاء أسعار النفط عالقة في نطاق لن تتمكن من تجاوزه. وساعدت ووفرت العرض في ذلك أيضا. ويأتي التصور بضعف الطلب من بعض المحللين على خلفية تراجع مشتريات المصافي في بعض الأسواق الكبرى. أما سبب انخفاض الشراء فهو ذو شقين وليس بجديد. التضخم وأسعار الفائدة - هذا هو ما يدفع الأسعار إلى الانخفاض أو يبقيها عالقة عند مستوى قليلا فوق 80 دولارا، في الواقع، يشعر المستهلكون بضغوط ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، فضلا عن البيئة الجيوسياسية الصعبة. أصبحت أسعار الفائدة هي التفسير الذي يلجأ إليه معظم المحللين عندما تنخفض أسعار النفط. ومن المفارقات أن رفع أسعار الفائدة كان وسيلة البنوك المركزية لمحاولة خفض التضخم، ولكن يبدو أن المحاولة لم تكن ناجحة بشكل خاص - على الرغم من انخفاض معدلات التضخم. فهي ببساطة لا تنخفض بالسرعة الكافية. لذا الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، على وجه الخصوص، ليسا في عجلة من أمرهما لخفض أسعار الفائدة - ما يضعف الإنفاق الاستهلاكي.
في غضون ذلك، يبدو أن المحركات الصعودية لأسعار النفط غائبة. في الواقع، يبدو أن بعض المحللين يعتقدون أن العوامل الجيوسياسية هي الرياح الصعودية الوحيدة لأسعار النفط. وفي الوقت الحالي، لا تهب هذه الريح. بالفعل، خسر السوق معظم علاوة المخاطر الجيوسياسية التي كانت تدفع الأسعار إلى الارتفاع. في الوقت نفسه، تبدو الأساسيات قوية، خاصة في جانب العرض، ما يساعد في السيطرة على الأسعار. وهذا ليس بسبب نمو كبير في الإنتاج. بل يرجع ذلك كله إلى ضعف الطلب من شركات التكرير، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث كانت معدلات التكرير أقل من المتوسط الموسمي حتى بعد انتهاء موسم الصيانة، ومع ذلك، لا يزال الطلب على النفط يسير على مسار النمو. ففي تقريرها الشهري الأخير عن سوق النفط، حافظت أوبك على توقعاتها السابقة، والتي تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.25 مليون برميل يوميا هذا العام وبواقع 1.85 مليون برميل يوميا أخرى في العام المقبل. وبالحديث عن الطلب المتزايد، بدأ موسم القيادة في نصف الكرة الشمالي يؤدي عادة إلى زيادة الطلب. لكن، مدى الزيادة التي سيشهدها هذا العام، مع كل الرياح المعاكسة التي تضرب الإنفاق الاستهلاكي في معظم هذه المنطقة، لا يزال غير واضح في الوقت الحالي.
من جهة أخرى، قد تشهد منطقة اليورو خفضا في أسعار الفائدة هذا الصيف. حيث، أشار البنك المركزي الأوروبي في أبريل إلى أنه قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة في يونيو بعد أن سجل اقتصاد منطقة اليورو نموا إيجابيا وإن كان طفيفا واستقر التضخم عند 2.4 %. وينظر إلى خفض الفائدة كوسيلة لتجنب حدوث تباطؤ كبير للغاية في النمو الاقتصادي مع محاولة كبح التضخم، ومع ذلك، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ليس لديه أي نية لخفض أسعار الفائدة قريبا. وكانت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة محبطة لأولئك الذين يتوقعون التخفيض. حيث، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 3.4 % في أبريل، وهو ما يعد بعيدا جدا عن الهدف البالغ 2 %. هذا وحده يكفي لوضع حد لأسعار النفط لفترة من الوقت، حيث إن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك لهذه السلعة في العالم.
ما يعنيه كل هذا هو أنه من شبه المؤكد أن تمدد "أوبك+" تخفيضات الإنتاج إلى النصف الثاني من العام وربما حتى العام المقبل. حيث، لا يزال التوازن في سوق النفط غير مستقر وأي تحرك لإعادة الإنتاج قد يكون له تأثير سلبي في الأسعار. ويشير هذا إلى أن أسعار النفط قد تظل في النطاق الحالي، خاصة في غياب محفز جيوسياسي جديد. والعامل الوحيد المتبقي الذي يمكن أن يدفع الأسعار إلى الارتفاع هو الطلب وعلاقته بالعرض.
نقلا عن الاقتصادية