قال المرصد الوطني للعمل: إن معدل أجور السعوديين العاملين في القطاع الخاص قد زاد خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة نمو وصلت 45%. كان المعدل حسب المرصد 6600 ريال في عام 2018، ووصل في العام الماضي 2023 إلى نحو 9600 ريال.
ما تعنيه هذه الزيادة؟
التفسير الأقرب والأشهر عالميا أن تزيد الأجور بذاتها في سلالم الأجور، أي أنها زيادة مستقلة عن الزيادات في الأجور بسبب التغير في الاشتراطات والمؤهلات والمتطلبات الوظيفية. والسبب في هذه الزيادة المستقلة غالبا حصول توسع ونمو حقيقي ملموس في الاقتصاد. ويصحب هذا النمو عادة زيادة في الأجور. وهناك زيادة لمقابلة التضخم القوي في الأسعار، هناك أسباب أخرى لزيادة معدل أجور السعوديين العاملين في القطاع الخاص، وعلى رأس هذه الأسباب سياسات التوطين، وتبعاتها على الأجور لتحفيز السعوديين للعمل في منشآت القطاع الخاص، وخاصة المنشآت غير الكبرى. وهنا أشير مثلا، إلى قرار وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أحمد الراجحي قبل أربع سنوات تقريبا، برفع الحد الأدنى لاحتساب أجور السعوديين في نطاقات من ثلاثة ألاف إلى أربعة ألاف ريال شهريا.
وهناك سبب التغير العلمي والمهني. مثلا، لنفترض أن الأطباء السعوديين العامين في مستشفيات القطاع الخاص يشكلون 70% من عدد الأطباء السعوديين في تلك المستشفيات قبل عشر سنوات. ثم لنفترض أن نسبة الأطباء العامين السعوديين انخفضت إلى 45%، وبالمقابل زادت نسبة المتخصصين السعوديين من 30% إلى 55% خلال السنوات العشر الماضية. وحيث إنه معروف أن أجور الأطباء العامين أقل من أجور المتخصصين، فسينتج من زيادة نسبة المتخصصين، أن متوسط أجور الأطباء السعوديين في مستشفيات القطاع الخاص قد زادت خلال تلك السنوات الماضية. وطبعا لا يتعارض ذلك مع وجود أسباب آخرى للزيادة في الأجور، وهناك سبب سنوات الخدمة. أي أن الزيادة في الأجور قد تكون بسبب زيادة سنوات العمل في الوظائف مع مرور السنين، حيث يحصل كثير من الموظفين على زيادات دورية في الأجور مع مرور السنين، حتى لو بقوا على وظائفهم ومؤهلاتهم نفسها، وهناك أسباب أخرى في نمو الأجور، وقد أشار إليها المرصد الوطني. من هذه الأسباب إصلاحات اقتصادية منذ انطلاق برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030، وبرامج دعم مشروطة تقدمها الحكومة لقطاع الأعمال، وغير ذلك.
من أسباب ارتفاع معدلات أجور السعوديين حصول تحسن في ظروف عمل ونشاط المنشآت المتوسطة والصغيرة، تبعا للتطورات في الاقتصاد الوطني. ومما نتج من ذلك توفر فرص لإعطاء رواتب أعلى مع مرور السنين. وسياسات التوطين تزيد من قوة الفرص. هذه السياسات تدفع المنشآت وخاصة المتوسطة والصغيرة إلى بناء وتطوير ظروف وظيفية أكثر جاذبية لعمل السعوديين في تلك المنشآت، التحسن في ظروف العمل يزيد من الاستقرار الوظيفي فالطلب على الوظائف، مما يضغط على زيادة الأجور. ظروف العمل بتلك المنشآت في السابق كانت أقل جاذبية بقوة للسعوديين للعمل فيها مقارنة بالعمل في وظائف حكومية أو شركات كبرى. لكن أوضاع الاستقرار الوظيفي في منشآت القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة تحسنت بوضوح.
أنشئت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت" عام 2016، بقرار من مجلس الوزراء، بهدف تنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة ودعمه وتنميته ورعايته، وتحقيق زيادة ملموسة في مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وانعكس ذلك طبعا على ما يعطيه ذلك القطاع من أجور للسعوديين. وفي الأيام القريبة الماضية أطلقت هذه الهيئة برنامجا للاستفادة من أفضل الممارسات العالمية في دفع نمو المنشآت ومواجهة التحديات التي تواجهها خلال مسيرة نموها. وطبعا سيؤثر البرنامج إيجابيا في أجور من يعمل بتلك المنشآت. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية