شهد عام 2023م ارتفاع عالمي في معدلات التضخم، مما أثر على اقتصادات العالم بأكملها، ولم تكن المملكة العربية السعودية بمأمن من هذه الضغوط التضخمية. ومع ذلك اتخذت حكومة المملكة تدابير عاجلة للتخفيف من تأثير هذه الضغوطات التضخمية والحفاظ على رفاهية المواطنين، حيث تعود المحددات الرئيسية للتضخم لهذه الفترة لعوامل عالمية، بما في ذلك اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن تداعيات جائحة كوفيد-19، والحرب المستمرة في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الطاقة. وقد أدت هذه التطورات إلى زيادة تكاليف السلع والخدمات، والتي تم نقلها إلى المستهلكين، في ظل عوامل محلية كتطبيق ضريبة القيمة المضافة في عام 2018م وهي تعتبر إجراءً ضروريًا لتنويع مصادر الإيرادات الحكومية، وربما وضعت عبئًا إضافيًا على ميزانيات الأسر. وإدراكاً للتحديات التي يفرضها التضخم، اتبعت حكومة المملكة نهجاً متعدد الجوانب لمعالجة هذه القضية. أدى إلى تحسن معدلاته والذي شهد تراجعا من 3.4 في يناير 2023م إلى 1.7 في نوفمبر 2023م.
عوامل التضخم في المملكة خلال الفترة
يمكن القول ان الارتفاع الحاد في معدل التضخم في المملكة يعود لمجموعة من العوامل، في مقدمتها الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة العالمي وذلك بهدف السيطرة على التضخم.، مما أدى لزيادة تكلفة الاقتراض خاصة من البنوك المحلية. ويتضح من العوامل السابقة ان التضخم المستورد هو العامل المهيمن على طبيعة التضخم بتلك الفترة. ونتج عن هذه السمات بعض السمات المصاحبة للتضخم
تمثلت في التوزيع غير المتكافئ للتضخم حيث تأثرت بعض السلع والخدمات بشكل أكبر من غيرها بارتفاع الأسعار في المملكة عام 2023م. فمثلاً سـجل قسـم السـكن والميـاه والكهربـاء والغـاز وأنـواع الوقود الأخــرى أعلــى نســبة ارتفــاع بيــن الاقسام الرئيســة فــي المؤشــر العــام للأسعار فــي الربــع الثالــث مــن عــام 2023م حيـث ارتفـع بنسـبة 8.6 % مقارنـة بالربـع المقابـل مـن العــام الســابق، في حين، ســجل قســم الملابس والأحذية أعلــى انخفاض سنوي بين الاقسام الرئيسة بنسبة 3.9%.
إدراكاً للتحديات التي يفرضها التضخم، اتبعت حكومة المملكة نهجاً متعدد الجوانب لمعالجة هذه القضية. فقد نفذت مجموعة من التدابير المالية والنقدية والهيكلية لتحقيق استقرار الأسعار وتعزيز الاقتصاد الوطني وتعزيز النمو الاقتصادي وشملت هذه الاستراتيجية تدابير قصيرة الأجل لتوفير الاحتياجات الاساسية للمواطنين ومبادرات طويلة الأجل لتعزيز الاقتصاد واستقرار الأسعار وضمان النمو الاقتصادي.
اولا: استراتيجية قصيرة المدى
إدراكاً للتأثير المباشر للتضخم على مواطنيها، أعطت حكومة المملكة أولوية لتدابير قصيرة المدى لتوفير الحماية وتخفيف العبء على الأسر. وشملت هذه التدابير: المساعدات المالية المباشرة حيث قامت بتوسيع برامج الرعاية الاجتماعية، مثل الصندوق المجتمعي من تقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر ذات الدخل المنخفض. وساعد هذا الدعم المباشر على تعويض ارتفاع تكاليف المعيشة وضمان حصول الفئات الضعيفة من السكان على السلع والخدمات الأساسية. كذلك تم تثبيت سقف أسعار الوقود، على أن تتحمل الدولة فارق الزيادة، بالإضافة إلى تخصيص دعم مالي بقيمة 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار) كتحويلات نقدية لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي وبرنامج حساب المواطن، ولدعم صغار مربي الماشية، وزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكد من توفرها.
من جهة أخرى تمت مراقبة الأسواق من قبل الجهات المعنية لمنع استغلال الوضع من قبل التجار وحماية المستهلكين، فرضت الحكومة ضوابط على بعض أسعار السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود. وساعد هذا التدخل على استقرار الأسعار وتخفيف الأثر التضخمي على الضروريات الأساسية. من جهة أخرى نفذت الحكومة مبادرات لتشجيع مشاركة المرأة والشباب في القوى العاملة من خلال توسيع فرص العمل وزيادة دخل الأسر، والذي خفف من الضغوط الناجمة من التضخم.
ثانيًا: استراتيجية طويلة المدى
في الوقت الذي تعالج فيه التحديات المباشرة للتضخم، دشنت حكومة المملكة أيضًا استراتيجية طويلة المدى لتعزيز الاقتصاد وتعزيز النمو المستدام. وقد ركزت هذه الاستراتيجية على التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على صادرات النفط وتعزيز المرونة في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، حيث اتبعت الحكومة خطة شاملة للتنويع الاقتصادي. وتهدف هذه الخطة إلى توسيع القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والتصنيع والتكنولوجيا، وخلق فرص اقتصادية جديدة وتقليل التعرض لتقلبات أسعار النفط، مع نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بمعدل 5.9% في عام 2023م، في ظل أداء إيجابي للمؤشرات الاقتصادية بشكل عام. كما أعلن صندوق النقد الدولي عن توقعاته أن تسجيل الاقتصاد السعودي نسبة نمو تصل إلى 7,6 %، سيُعد على نسبة نمو والأسرع بين مجموعة العشرين. كما واصلت الحكومة الاستثمار في البنية التحتية إدراكاً منها لأهمية ذلك في دعم النمو الاقتصادي، واستثمرت بكثافة في تطوير وتحديث شبكات النقل والمرافق والبنية التحتية الرقمية والتي تهدف لتحسين الاتصال وتعزيز الإنتاجية وجذب الاستثمار الأجنبي.
كذلك عملت الحكومة لتمكين القطاع الخاص حيث قامت بتعزيز بيئة مواتية لمشاركة القطاع الخاص، وتشجيع ريادة الأعمال والابتكار والاستثمار. ومن خلال إنشاء نظام بيئي تجاري داعم، سعت الحكومة إلى تحفيز النشاط الاقتصادي ودفع النمو المستدام. وقد شهدت تلك الجهود اشادات دولية متعددة، فقد أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً إيجابياً عن المملكة العربية السعودية عقب اختتام مناقشات مشاورات المادة الرابعة مع المملكة، أكد خلاله أن الاقتصاد السعودي يشهد حالة ازدهار ونمو بسبب الإصلاحات المستمرة في إطار رؤية السعودية 2030، كما أشاد الصندوق بجهود المملكة لاحتواء التضخم الذي ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي بعد عدة ازمات دولية منها الحرب الروسية الاوكرانية، كما اشارت وزارة المالية السعودية ان معدل التضخم سيبقى عند مستويات مقبولة نسبيا على المدى المتوسط. وفي بيانها التمهيدي لميزانية العام 2024، أشارت التوقعات الأولية للوزارة إلى بلوغ الرقم القياسي لأسعار المستهلك لكامل عام 2023 نحو 2.6%. وتتوقع وزارة المالية السعودية انخفاض معدلات التضخم إلى 2.2% في 2024، على أن تصل في 2025 إلى 2.1%. وفي العام 2026 توقع وزارة المالية السعودية أن تصل معدلات التضخم في المملكة إلى 1.9% فقط.
أظهرت حكومة المملكة التزاماً قوياً بحماية وضمان الاستقرار الاقتصادي، فقد نجح النهج المتعدد الجوانب الذي تبنته الدولة في معالجة الضغوط التضخمية بشكل فعال مع إرساء الأساس لاقتصاد أكثر مرونة وتنوعاً. ويمكن أن تعزى ذلك إلى عدة عوامل منها التدخل في الوقت المناسب حيث إن إدراك الحكومة المبكر لتهديد التضخم سمح باتخاذ إجراءات سريعة، ومنع المزيد من الزيادة وتخفيف العبء على المواطنين. ويمكن القول انه مع استمرار تطور المشهد الاقتصادي العالمي، سيكون النهج الاستباقي للحكومة السعودية والتركيز على النمو المستدام أمرًا حاسمًا لضمان استمرارية ازدهار الاقتصاد في السنوات القادمة.
المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد ربيع أول 1445 / سبتمبر 2023م
خاص_الفابيتا
السلام عليكم اختلف الى حد ما مع الكاتب مع احترامي لشخصه الكريم...حيث ان اكبر مؤثر على التضخم داخليا هو الزيادة في اسعار العقارات والايجارات بشكل اكبربسبب الرغبة في ركوب موجة الارتفاع الحالية بدون اي انتاج يقابلها... حسبنا الله ونعم الوكيل