هناك مؤشر جديد تم الإعلان عنه قبل شهرين لرصد مشاعر المستثمرين حول الأسواق المالية وأسعار الأسهم وتوجهات معدلات الفائدة، قام بتصميمه عدد من الاقتصاديين لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة. المؤشر الجديد يختص بتحليل تغريدات منصة التواصل الاجتماعي تويتر، التي بالمناسبة قام "إلون ماسك" بتغيير اسمها إلى إكس، وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، أو على وجه الخصوص من خلال أدوات معالجة اللغات الطبيعية، ونترك إلى وقت آخر مناقشة الصعوبات البالغة التي أوقع "ماسك" نفسه بها فيما يتعلق بتغيير الاسم وتبعات ذلك المتجذرة في كل مكان، الفكرة الأساسية من هذا المؤشر الجديد، وغيره من أدوات مشابهة، هو أن هناك اعتقادا بأن هناك معلومات قيمة يمكن استخلاصها من تغريدات المهتمين وإعادة التغريدات في الأمور المالية، وتأتي منصة إكس كأحد أهم مراكز تجمع المستثمرين حول العالم. هذه المعلومات مفيدة في معرفة ما يدور في خلد مستخدمي المنصة ومتابعيها سواء من حيث توجه أسعار أسهم معينة أو السوق بشكل عام أو حتى احتمالية تغير معدل الفائدة الذي يقره مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وربما ذلك أحد أهم أسباب تبني الفيدرالي لهذا المشروع.
مسألة استطلاع آراء المستثمرين ليست جديدة، فهناك عدة طرق لرصد ذلك، منها الاستطلاعات الدورية التي يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي وهناك مؤشر مشاعر المستثمرين الخاص بالجمعية الأمريكية للمستثمرين الأفراد، وآخر شهري من جامعة ميتشيجان يختص بمشاعر المستهلكين ويفيد في قياس الحركة الاقتصادية ومشاعر المستهلكين تجاهها، إلى جانب عدة وسائل فنية ومؤشرات تستخدم لهذا الغرض. الجديد هنا أنه أصبح بالإمكان الآن إجراء هذه الاستطلاعات بشكل فوري وعلى مدار الساعة كون العملية أصبحت في متناول أجهزة حاسب مسلحة بتقنيات ذكاء اصطناعي متطور.
الطريقة المتبعة في مؤشر مشاعر المستثمرين في تويتر تعتمد على تقنية BERT التي تم تطويرها من قبل شركة جوجل لمعالجة اللغات الطبيعية، وهي التقنية المستخدمة في محركات البحث، وهي شبيهة بما يستخدم في خدمات البريد الإلكتروني للسيطرة على الرسائل الدعائية، وهي القاعدة التي تنطلق منها برامج "تشات جي بي تي" والتي كذلك تستخدم في تحليل وفهم المحادثات الصوتية وغير ذلك. المطورون لمؤشر مشاعر تويتر قاموا باستخدام نسخة مطورة من BERT للاستخدام في التطبيقات المالية كون هناك حاجة لاستخدام طرق تحليل معينة لكل مجال، على سبيل المثال كلمات سند، سهم، فائدة، أصل، ربح، وخسارة تأخذ معاني مختلفة بحسب سياق الاستخدام. ولذلك ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي منذ أعوام طويلة هاشتاج خاص بالكلمات المرتبطة بالمال والاستثمار، بحيث يستخدم رمز الدولار $ الذي يسبق الكلمة للدلالة على رموز أسهم الشركات المدرجة، والهدف من ذلك تسهيل عمليات البحث والتحليل المتعلقة بالأمور المالية.
مؤشر تويتر يستخدم في معرفة توجه حركة الأسهم في اليوم التالي، وبحسب المطورين هناك مصداقية عالية للمؤشر بحسب ما تم من تجارب عليه باستخدام 4.4 مليون تغريدة منذ 2007 إلى أبريل 2023، واللافت في ذلك أن هناك علاقة ارتباط قوية بين ما يشير إليه المؤشر وبين ما تشير إليه مقاييس حركة الأسواق المعروفة، مثل مقياس التباين في معدلات الفائدة بين سندات الشركات والسندات الحكومية. الفارق المهم هنا أن هذا المؤشر يعطي نتائج فورية حتى وإن كانت الأسواق مغلقة، ويغني عن الانتظار إلى حين صدور بيانات مشاعر المستهلكين والمستثمرين التي تنشر أسبوعيا أو شهريا. بل إن المؤشر يستخدم كذلك أثناء فترات التداول بحكم أن المشاركين يعبرون عن مشاعرهم في جميع الأوقات ويتفاعلون مع التطورات التي تتم أثناء التداول.
من جهة أخرى قامت شركة ستاندر آند بورز بإطلاق مؤشر خاص بمشاعر المستخدمين في منصة تويتر وذلك في عام 2021، وهو يشترك مع هذا المؤشر الجديد في هدف رصد مشاعر المستثمرين، إلا أن طريقة قياس المشاعر تختلف بين المؤشرين، وذلك هو مصدر التنافس بين جميع هذه المؤشرات بحسب ما يستخدم من تقنيات معالجة اللغات والتعلم العميق لكل منها. قيمة مؤشر ستادرد آند بورز لقياس مشاعر تويتر حاليا 160 نقطة، وقد انخفض إلى 136 نقطة في أكتوبر الماضي بالتزامن مع التراجع الحاد للأسهم الأمريكية في ذلك الوقت، وقد انخفض المؤشر أثناء أزمة البنوك قبل أربعة أشهر، وبدأ بالتراجع الطفيف من مستويات 164 نقطة قبل أيام إلى 160 نقطة حاليا.
مرة أخرى المثير في مؤشرات قياس المشاعر الآنية هذه أن قراءتها لتحركات الأسهم جيدة إلى حد كبير على الرغم من أنها لا تنظر إلى الأسواق، بمعنى أنها تحسب حركة الأسواق دون النظر إلى أسعار الأسهم، فقط تقوم بذلك من خلال قراءة مشاعر المتعاملين. وفي الوقت نفسه هناك إشكالية مفادها أن المؤشر نفسه متاح للمتعاملين بشكل آني وبالتالي هناك تأثيرات متبادلة بين قيمة المؤشر وبين مشاعر المستثمرين، فتؤثر القراءة الحالية للمؤشر بالمشاعر والعكس صحيح، ولكن هذا التفاعل المتبادل يحدث بالطبع مع جميع المؤشرات الآنية.
النقطة الأخيرة هي أن علينا أن ننظر إلى كيفية الاستفادة من هذه التقنية في رصد مشاعر المتعاملين في الأسواق العربية، كون ذلك يتطلب جمع وتحليل التغريدات باللغة العربية وتوظيف تقنيات معالجة اللغات الطبيعية وتطوير تقنية شبيه بنظام FinBERT المستخدم لهذا الغرض.
نقلا عن الاقتصادية
موضوع علمي ومعلومات مفيدة. شكرا