كتبت الأحد الماضي عن قصة نشأة المساهمات العقارية في السعودية، وعلى أي حال، فكرة جمع الأموال وتوظيفها في نشاط تجاري ليست فكرة سعودية خالصة، بل هي فكرة عربية اتخذت أشكالاً محددة في كل قُطر، ففي مصر، كانت أبرز شركات توظيف الأموال الريان والسعد، وقد جمعت هاتان الشركتان أموالاً طائلة بهدف توظيفها، حتى أصبحت شركاتهما تسمى إمبراطورية الريان وإمبراطورية السعد، وقد كان جُلُّ مشتركي هاتين الشركتين من نخبة المصريين المتعلمين! سواء كانوا مغتربين أو مقيمين في مصر، وفي السعودية، لم يكن الأمر بعيداً عن ذلك، فقد ظهرت شركات توظيف أموال ضحكت على الناس ولعبت بأموالهم وبعض أموال المستثمرين ذهبت أدراج الرياح، وفي الاستثمار، يُعرف أن أهم محركين للاستثمار من عدمه هما الطمع والخوف، فإذا طمع المستثمر خاطر بماله واتجه للاستثمار، وإذا خاف المستثمر أحجم عن الاستثمار في مشروع تجاري.
للأسف، الطمع هو ما دفع المستثمرين للمشاركة في شركات توظيف الأموال، فجامع الأموال يقوم بصرف أرباح مهولة للمشتركين الأوائل معه قد تصل إلى 30 في المائة في مدد وجيزة بعضها لا يتعدى الستين يوماً، مثل هذه السياسة في توزيع الأرباح تُغري الآخرين بالاشتراك في مثل هذه الشركات التي بعضها قد يُكتب لها النجاح، ولكن أكثرها يُكتب لها الفشل، لأن من يقوم بتوظيف الأموال لم يكن هدفه إدارة المال باقتدار ثم الربح، بقدر ما كان هدفه جمع الأموال والاستمتاع بها، بغض النظر عن النتيجة التي تكون محسومة بالخسارة، الغريب أن أكثر من يشترك مع هؤلاء هم من المتعلمين وأساتذة الجامعات وأطباء المستشفيات، ورغم تعلمهم لم يفكروا قبل الدخول في مثل هذه المساهمات من أين أتى الربح؟ وهل يعقل أن تأتي الأنشطة المعلن عنها في المساهمات بمثل هذه الأرباح؟
الغريب أنه رغم عدم معقولية الأرباح فإننا نرى الناس تتدافع للمشاركة مع مثل هؤلاء!، وفي المساهمات العقارية يدفع حب المال رئيس المساهمة لخلق مبررات تجعل ما يضعه في جيبه من مال حق من حقوقه، هذا طبعاً من وجهة نظره، فقد يشتري متر الأرض من المالك بمائة ريال، ثم يبيعه على المستثمرين 120 ريالاً أو أكثر أو أقل ويضع الفرق في جيبه، غير عابئٍ بالأمانة، ومن صيغ الاحتيال أن يتم بيع جُلُّ الأرض التي تبلغ مساحتها مليون متر مربع أو أكثر من ثم يحجز عشرة آلاف متر مربع، ولا توزع أرباح المساهمة بدعوى عدم تصفية الأرض، هذا بالإضافة إلى احتساب خمسة في المائة وساطة نصفها عند الشراء والنصف الآخر عند البيع وعدم الاكتفاء بواحدة، ولعلنا نستبشر خيراً بعد إنشاء هيئة للعقار في السعودية، وظهور النظام العقاري، ونظام الوساطة العقاري، أن تكون السوق العقارية أكثر انضباطية. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط