في رحلة علم الاقتصاد ربما يعد ديفيد ريكاردو الإنجليزي أهم اقتصادي بعد آدم سميث. ولد ديفيد ريكاردو اليهودي من أصل برتغالي في لندن 1772. لم يتعلم كثيرا فقد ترك الدراسة وعمره 14 عاما، لكن عوض عنها بالمثابرة في القراءة والتعلم من الكتب والمعاصرين، كما ساعدته أيضا تجربته في الأعمال، إذ اشتغل مع والده ميسور الحال من عمله في الوساطة المالية، إلا أن إفلاس أعمال والده ربما أرغمه على إعادة ونمو أعماله في الوساطة. قدراته الذهنية والتحليلية ورغبته قادته إلى قراءة كتاب آدم سميث، وكتابات مالثوس عن السكان، والنقاش مع جيمس مل، أحد مفكري الحقبة في السياسة والاقتصاد.
في 1809 نشر كتابه الأول، "السعر العالي للذهب وإثبات تآكل قيمة الأوراق البنكية"، حيث قدم رأيا مخالفا للتقليد السائد بأن التوسع في عرض النقود سبب للتضخم. رأي سبب له وللاقتصاد في حينه جدلا واسعا، لكن بدأت شهرته كاقتصادي معتبر، ومهدت لما يأتي لاحقا. في 1817 نشر كتابه الأهم، "مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب"، حيث قدم نظريته في قيمة العمل والميزة المقارنة. يعتقد ريكاردو بأن قيمة أي سلعة أو خدمة تتحدد بقدر قيمة العمل لإنتاجها، حيث إن العمل "الجهد البشري" هو المحدد الأساس في القيمة، وأن قيمة العمل النسبي تحدد قيمة التبادل التجاري بين السلع. ربما نجد هنا امتدادا لما ذكر آدم سميث عن التخصص المهني.
وكذلك طور في الكتاب نفسه، فكرة الميزة المقارنة في التجارة بين الدول، التي لا تزال تدرس في تخصص الاقتصاد. تستفيد الدول من التجارة لأن الميزات التنافسية تختلف، فهناك دول لديها تميز في الصناعة، وأخرى في الزراعة، وغيرها في المواد الأولية، في الأغلب لا تكون الدولة ذات فاعلية عالية في جميع المنتجات، ولذلك من الأجدى أن تستورد شيئا وتصدر شيئا آخر. هذه النظرية أيضا كانت جدلية في حينه، لأن العقلية السائدة كانت مع السياسات التجارية الكاملة والحمائية التي ربما أسهمت في النظرة الاستعمارية.
لا تزال نظرية ريكاردو أساسية في التجارة الدولية، وما زال الجدل قائما. كذلك رأى آدم سميث قيمة عالية في التجارة الدولية، وشجع على إزالة المعوقات. لم يكن ريكاردو رجل أعمال واقتصاديا فقط، بل نجح في ميدان السياسة أيضا، فأصبح عضوا في البرلمان البريطاني في 1819، وكان مؤيدا مهما لتحرير التجارة الدولية، مثل إلغاء السياسات الحمائية، خاصة قوانين حماية الحبوب، حيث كانت تفرض ضرائب عالية على الحبوب المستوردة. لكن لم يسعفه العمر ليشهد إلغاء قانون حماية الحبوب في 1846، حيث توفي في لندن 1823.
ترك ديفيد ريكاردو في حياته القصيرة نسبيا إرثا مهما في الفكر الاقتصادي ومهد لمن جاء بعده. في قيمة العمل جاء كارل ماركس وآخرون، وفي التجارة ما زال الجدل قائما ومؤثرا في أغلب السياسات العامة لكل الدول حتى فاز بول كركمان بجائزة نوبل في الاقتصاد في موضوع التجارة. عرف عنه التحفظ والجدية، وقيل إن حياته تدهورت سريعا بعد وفاة زوجته لما لها من دور في حياته المهنية والشخصية، إذ توفي بعدها بستة أعوام. خلفوا ستة من الأبناء و البنات، توفي ثلاثة منهم في عمر صغير، وعاش حياة حافلة بالنجاح في التجارة وعلم الاقتصاد والسياسة.
نقلا عن الاقتصادية
شكرا لكم على هذا الاستعراض لحياة هذا الاقتصادي الجهبذ ...........ياليت لو تفسر لنا هذا الجزء من مقالتكم ( " في 1809 نشر كتابه الأول، "السعر العالي للذهب وإثبات تآكل قيمة الأوراق البنكية"، حيث قدم رأيا مخالفا للتقليد السائد بأن التوسع في عرض النقود سبب للتضخم") ..........اعقتد في ذلك الزمن البعيد 1809 ....المركزي يصدر اوراق نقدية على قدر مايملك من ذهب فقط ..........فكيف سيكون هناك توسع في المعروض النقدي اذا كانت كمية الذهب المتاحة له محدودة . تحياتي
شكرا لك. من ما اعرف ان ريكاردو كان سباق في النظرية النقدية ، لذلك كان اكتشاف مزيدا من الذهب( زيادة في عرض النقود) في امريكا الجنوبية ساهم في التضخم. و لكن هذا تفسير بما مبني على معلومات تحتاج بحث اكثر...