تميزت المملكة بمساهماتها الإنمائية والإغاثية ومساعداتها الإنسانية التي طالت جميع الدول المحتاجة، وبخاصة الدول العربية والإسلامية، وتصدرت الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والإنمائية، كما تجاوزت مساهماتها الإنسانية الحصص المقررة لها من قبل الأمم المتحدة، المُحددة بـ(0.7 في المائة) لتصل نسبتها إلى 1.05 % من الدخل القومي الإجمالي، ما أهلها لتصدر الدول المانحة، وفق البيانات التي نشرتها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ديسمبر 2022م. أكثر من 95 مليار دولار أمريكي، هي مجمل المساعدات السعودية، استفادت منها 160 دولة حول العالم؛ ما جعلها نموذجًا فريدًا للعمل الإنساني العالمي.
تمرسها في العمل الإنساني، وتراكم الخبرات لديها، ساهم في تطوير آلياتها المتبعة لتقديم مساعداتها الخارجية لضمان تحقيق المنفعة الكلية منها، وتوجيهها نحو المشروعات الإنمائية، والإشراف المباشر عليها وبما يحقق أهدافها السامية. التحول من المساعدات المالية المباشرة إلى البرامج التنموية، والاستثمار من الخطوات التطويرية التي اتخذتها القيادة السعودية لتحقيق تنمية مجتمعية في الدول المستهدفة، وضمان الاستدامة والنهوض بالمجتمعات وتحويلها إلى مجتمعات منتجة وقادرة على العمل والتطوير.
يؤمن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، بالحلول المبتكرة وغير التقليدية في تقديم المساعدات ومعالجة التحديات، خاصة وأن مخرجات غالبية مؤتمرات الدول المانحة والمساعدات الدولية لا ترقى لمعالجة تحديات التنمية، ولا تسهم في القضاء على مشكلة الفقر، ولا تدعم الإنتاجية وخلق الوظائف. فالمساعدات التقليدية أشبه بالمسكنات الوقتية التي تزول دون تحقيقها أهداف التنمية المستدامة، ما يستوجب البحث عن حلول تسهم في خلق تنمية مستدامة ونقل تلك الدول من حالة الفقر إلى التمكين الاقتصادي والاستدامة، والاعتماد على قدراتها الخاصة. ففي قمة باريس لمواجهة تحدي نقص تمويل إفريقيا التي عقدت في مايو 2021 م أكد سمو ولي العهد على أهمية التوصل «إلى حلول مبتكرة تساعد دول القارة على الخروج من دوامة الديون وتضمن لهذه الدول القدرة على استغلال إيراداتها ومقدراتها الذاتية وتجعل ما يقدم لها من استثمارات مفيدة لاقتصادها ومجتمعاتها وقادرة على تحقيق التنمية المستدامة التي تحقق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية».
بالرغم من ارتباط كلمة سمو ولي العهد بالقارة الإفريقية آنذاك، إلا أنها تحولت إلى منهاج للمساعدات السعودية، بهدف إرساء قواعد التنمية الاقتصادية المستدامة، والمجتمعية والبشرية، وتحقيق أهداف المساعدات الإنمائية والإنسانية.
إعادة هيكلة المساعدات الخارجية والتبرعات الداخلية بدأت منذ تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية العام 2015 حيث كان الهدف الرئيس من إنشائه توحيد مساهمات المساعدات الإنسانية والإغاثة الحكومية، وغير الحكومية، والمصادر الفردية خارج المملكة، والإشراف المباشر عليها وتنفيذ البرامج الإنمائية والإغاثية والإنسانية وفق ضوابط وآليات محددة، معززة للتنمية الشاملة، والكفاءة والنزاهة وجودة المخرجات.
نجح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في تحقيق أهداف الدولة الإنسانية، وإعادة هيكلة المشاركات الخيرية بما يضمن وصولها إلى مستحقيها خارج المملكة، والعمل على تنفيذ مشروعات كبرى تحقق الفائدة والاستدامة، وتتميز بالموثوقية العالية والأمان.
وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أشار في مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي إلى أن المملكة تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها وتشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية، بدلاً من «تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط». ما ذكره الوزير الجدعان بات نهجاً للمملكة، وآلية عمل ضابطة للمساعدات الخارجية وفق رؤية إنمائية محققة للأهداف الإنسانية والتنموية والمصالح المشتركة.
تغيير طريقة تقديم المساعدات الخارجية لا يعني تقليصها، بل توجيهها التوجيه الأمثل من خلال البرامج والمشروعات والاستثمار المباشر وفق مقومات الدول المستهدفة، وتنفيذها من خلال شركات ومنتجات سعودية متى توفر ذلك، وربطها بالمصالح الوطنية، وحمايتها من الفساد، واستغلال المتنفذين لها، وتوثيقها لتصبح لبنة من لبنات التنمية السعودية في الدول المحتاجة.
فالمملكة حريصة على تحويل المساعدات إلى برامج تنموية، وإيصالها لمستحقيها، وإبراز انعكاساتها على المجتمعات والدول الحاضنة لها، وتوثيق مساهماتها الدولية وربطها بمصالحها الوطنية، واستخدامها كمحفزات إصلاحية للدول المتلقية لها، وبما يسهم في استثمارها لتعزيز التنمية وتحقيق الاستدامة على المدى البعيد.
نقلا عن الجزيرة