كان 2022 عاما استثنائيا بامتياز لسوق النفط، تميز بزيادة التقلبات وتسجيل مستويات قياسية لم تشهدها السوق منذ 2013، حيث بلغ متوسط سعر خام برنت 100 دولار للبرميل، في حين بلغ الحد الأقصى 137 دولارا للبرميل. من المتوقع أن يواجه 2023 عديدا من الرياح المعاكسة المشابهة على جانبي الطلب والعرض، متمثلة بالركود الاقتصادي، نقص الإمدادات، واستمرار الأزمة الأوكرانية.
من ناحية العرض، تعد "أوبك" "30 في المائة"، الولايات المتحدة "12 في المائة" وروسيا "10 - 11 في المائة" من أكبر منتجي النفط في العالم.
لكن، فقط الولايات المتحدة تخطط لزيادة الإنتاج، في حين تعمل "أوبك" كمنتج متأرجح لدعم توازن السوق، وروسيا مجبرة على خفض الإنتاج، بسبب الحظر وسقف الأسعار المفروض على نفطها.
خارج هذا الثلاثي، لا يمكن الاعتماد على نمو ملموس في الإمدادات بسبب نقص الاستثمار العالمي لهذه الصناعة. حيث، أدى الدفع القوي باتجاه الطاقة البديلة وتحول الطاقة في الأعوام السابقة إلى خفض الاستثمار في إنتاج النفط والغاز، لذلك تركت عديد من المشاريع الجديدة دون تمويل.
وفقا لبعض المحللين، قد يستغرق الأمر من ثلاثة إلى خمسة أعوام لتعويض هذه الفجوة في الاستثمار.
في تشرين الأول (أكتوبر)، خفضت "أوبك +" الإنتاج بنحو مليوني برميل في اليوم حتى نهاية 2023. في الخطاب العام للمجموعة، لا تظهر عبارة زيادة الإنتاج.
على العكس من ذلك، يركز التحالف على مخاطر الركود ويعلن استعداده لمزيد من التخفيضات في أي وقت.
من الصعب تحديد مدى ثبات "أوبك +" على هذا المسار، لكن الآن يتم التحكم في مستوى الإنتاج من قبل عدد قليل من المنتجين الرئيسين في المجموعة بقيادة المملكة، في حين أن بقية دول التحالف لا تزال غير قادرة على الوصول إلى حصصها.
من مصلحة المجموعة استقرار السوق والحفاظ على أسعار عالية نسبيا.
روسيا هي أحد أعضاء "أوبك +"، لكن إنتاجها الآن لا يعتمد على الحصص، بل على القدرة على تصدير النفط والمنتجات النفطية.
تم إغلاق سوق الاتحاد الأوروبي في وجه إمدادات النفط الخام الروسية، التي تمثل أكثر من نصف صادراتها، وفي شباط (فبراير) سيتم إغلاقه أمام المنتجات البترولية.
مع ذلك، يواصل النفط الخام الروسي التدفق إلى الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب دروجبا - 250 ألف برميل يوميا على طول الفرع الجنوبي ونحو 500 ألف برميل يوميا على طول الفرع الشمالي، الذي من المتوقع أن ينخفض في هذا الفرع إلى الصفر في 2023. في حين، يستمر حجم صغير - نحو 130 ألف برميل في اليوم - في الذهاب إلى بلغاريا عن طريق البحر حتى نهاية 2024.
بالمقابل، تمت إعادة توجيه معظم الإمدادات إلى آسيا، خاصة إلى الهند. كما زادت الصين وتركيا وارداتهما.
لكن، بقيت بعض الإمدادات عالقة، وقد يكون من الصعب بيعها بسبب سقف السعر. يمكن أن تراوح خسائر الإنتاج الروسي في 2023 من 0.5 إلى 1.5 مليون برميل يوميا، اعتمادا على مدى إشكالية آلية سقف السعر بالنسبة إلى السوق.
في الولايات المتحدة، على مدار العام الماضي كان رد فعل شركات النفط الصخري بطيئا على ارتفاع الأسعار.
وزادت مستوى الإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميا فقط إلى 12.1 مليون برميل يوميا. في 2023، تتوقع إدارة معلومات الطاقة زيادة مماثلة في نطاق 400 - 500 ألف برميل في اليوم.
لا تزال قرارات السياسة طويلة الأجل بشأن تحول الطاقة سارية المفعول. على المدى القصير، خطر الركود يجبر المنتجين على تجنب الاستثمار على نطاق واسع في مشاريع جديدة، خاصة أن معظم مناطق النفط الصخري قد تم تطويرها بالفعل.
في ظل هذه المعطيات، قد تبقى إمدادات النفط متشددة في 2023.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن ترتفع بنحو 770 ألف برميل يوميا فقط، لكن هذا يأخذ في الحسبان توقعات انخفاض الإنتاج الروسي بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا. في 2022، أظهرت الوكالة باستمرار تشاؤما مفرطا بشأن الإمدادات الروسية، لذلك قد يكون من الأنسب تعديل هذه الأرقام بشكل طفيف والحصول على تقدير لنمو الإمدادات العالمية بمقدار 1.1-1.2 مليون برميل يوميا. تظل العوامل الرئيسة التي سيراقبها السوق اجتماعات "أوبك +"، بيانات الصادرات الروسية، وبيانات الإنتاج الأسبوعية من إدارة معلومات الطاقة.
على جانب الطلب، ينصب التركيز الآن على اتجاهين رئيسين، احتمال حدوث ركود اقتصادي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتخفيف عمليات الإغلاق في الصين.
أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، ما يشكل ضغطا على الاقتصاد والطلب.
في 2022، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة الرئيس بمقدار 425 نقطة أساس إلى 4.25-4.5 في المائة، وهذا ليس الحد الأقصى.
فحسب التوقعات قد تصل قيمة الذروة إلى نحو 5 في المائة في الربع الثاني من 2023، وقد يبدأ المعدل في الانخفاض تدريجيا في الربع الرابع. في مثل هذا السيناريو، من المرجح تجنب الركود على نطاق واسع والمشكلات في سوق الديون، وسيظل الطلب على المواد الخام مستقرا تقريبا.
لكن، حتى مثل هذه التوقعات لا تضمن عدم وجود مشكلات، وقد تكون مفرطة في التفاؤل.
لذلك تظل المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد والطلب على المواد الخام على أجندة السوق.
الطلب الصيني يواجه رياحا معاكسة على المدى القريب مع انتشار موجة وباء جديدة، لكن من المرجح أن يكون هناك انتعاش على المدى الأبعد، حيث تظل الحكومة ملتزمة بدفع انتعاش الاستهلاك. ستتوقف آفاق الطلب الصيني على النفط على مدى سرعتها في تعزيز نظام الرعاية الصحية ومدى سوء هذه الموجة.
قد يتم دعم الطلب على النفط في 2023 من خلال رفع كامل للحجر الصحي في الصين، في حين سيتباطأ الاقتصاد العالمي. تتوقع وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" نمو الطلب العالمي بنحو 1.7 و 2.25 مليون برميل يوميا على التوالي، لكن هذه التقديرات تستند إلى توقعات متفائلة إلى حد ما بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في الواقع، تشير المخاطر إلى مراجعة التوقعات نزولا، ما يؤدي إلى تقييم متحفظ لمستوى استهلاك النفط في 2023.
على الأرجح، قد يتجاوز الطلب العرض في 2023 بمقدار 0.2 - 0.4 مليون برميل يوميا، ما يساعد على الحفاظ على ارتفاع الأسعار.
قد تكون الذروة في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، عندما يتزامن تخفيف الصين لقيود الجائحة مع خفض الإنتاج الروسي على خلفية دخول الحظر على المنتجات البترولية حيز التنفيذ. في ذلك الوقت، قد تكون الأسعار أعلى من 100 دولار للبرميل، لكن من غير المرجح أن تكون هذه المستويات مستقرة وقد تنخفض الأسعار تدريجيا بعد ذلك.
من المحتمل أن يكون مسار نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي أسوأ قليلا مما تشير إليه التوقعات الحالية، التي قد تصبح واضحة في وقت مبكر من الربع الثاني. إلى جانب التباطؤ الاقتصادي، قد يهدأ الطلب أيضا، لكن "أوبك +" ستوقف أي مخاطر بحدوث فائض في العرض، ما يدعم الأسعار مند المستويات الحالية.
نقلا عن الاقتصادية