أسواق الغاز ستظل متشددة حتى 2025

30/11/2022 0
د. نعمت أبو الصوف

على مدى الأعوام القليلة المقبلة سيتم طرح كميات كبيرة من إمدادات الغاز المسال الجديدة إلى الأسواق. لكن أيا من طاقات التصدير الضخمة قيد الإنشاء حاليا لن تصل في الوقت المناسب للتخفيف من تشدد أسواق الغاز الأوروبية في 2023 أو 2024. الولايات المتحدة وقطر، أكبر الدول المصدرة للغاز المسال في العالم ستضيفان كثيرا من إمدادات الغاز المسال الجديدة بعد 2025، ما يخفف من أزمة الإمدادات المحتملة، لكنهما غير قادرتين على مساعدة أوروبا بموجة جديدة من إمدادات الغاز سواء في الشتاء المقبل أو الشتاء بعد ذلك.

قد يؤدي تراجع الطلب وسط ارتفاع الأسعار إلى تقليل استهلاك الغاز على المدى القصير في كل من أوروبا وآسيا. لكن حتى في ظل سيناريو ضعف الطلب، ستحتاج أوروبا إلى كثير من الغاز المسال لتعويض كل الغاز الروسي الذي ستفقده بعد نهاية هذا الشتاء وبناء مخزونات كافية قبل شتاء 2023 /2024. تكمن المشكلة في عدم وجود إمدادات غاز مسال كافية سواء من الولايات المتحدة أو قطر حتى 2025. وهذا يترك أسواق الغاز المسال متشددة للغاية على مدى العامين المقبلين على أقل تقدير، حيث ستندفع أوروبا لاستيراد مزيد من الغاز غير الروسي. لذلك من المتوقع أن تبقى الأسعار مرتفعة، على الأقل لمدة عامين آخرين.

في غضون ذلك، تحرز أوروبا تقدما جيدا في إنشاء وحدات تخزين عائمة لإعادة تغويز الغاز لاستيراد مزيد من الغاز المسال، وتستخدم الشركات مزيدا من منصات الغاز المسال العائمة لتصدير الوقود. في هذا الشهر فقط، بدأت منصة عائمة جديدة لتصدير الغاز من موزمبيق إلى أوروبا، في حين تم بالفعل إنشاء عديد من وحدات التصدير ووحدات إعادة التغويز العائمة في أوروبا، بعد بضعة أشهر فقط من بداية الأزمة الأوكرانية التي قلبت سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي رأسا على عقب، في ظل اندفاع الاتحاد السريع لخفض الاعتماد على الطاقة الروسية.

بالفعل، يتزايد الطلب على مشاريع الغاز المسال العائمة، في كل من الدول المستوردة والدول المصدرة للغاز، حيث يتصدر أمن الطاقة وطرق الحد من فواتير الطاقة المرتفعة لقطاع الصناعة والأسر جدول أعمال صناع القرار بعد أن خفضت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا في وقت سابق من هذا العام. يميل المستثمرون أيضا إلى تمويل مشاريع الغاز المسال العائمة الصغيرة منخفضة التكلفة مع عائدات أسرع من منشآت الغاز المسال الضخمة التي تستغرق أكثر من ضعف الوقت للبناء وتحتاج إلى استثمارات ضخمة. لكن هذه المرافق العائمة لديها قدرات أقل من المنشآت الضخمة التي يقوم كبار مصدري الغاز المسال ببنائها الآن.

حاليا، هناك عديد من مشاريع الغاز المسال الضخمة التي من المؤمل أن تبدأ بالعمل بعد 2024. في الولايات المتحدة مثلا، هناك ثلاثة مشاريع قيد الإنشاء حاليا: جولدن باس Golden Pass LNG، البلاكومينز Plaquemines LNG وكوربوس كريستي المرحلة الثالثة Corpus Christi Stage III. في هذا الجانب، قالت إدارة معلومات الطاقة إن هذه المشاريع بمجرد اكتمالها ستزيد من قدرة تصدير الغاز المسال في الولايات المتحدة بمقدار 5.7 مليار قدم مكعبة في اليوم بحلول 2025. وبالتالي، فإن ذروة الطاقة التصديرية لأكبر مصدر للغاز المسال في العالم، التي ترسل نحو 70 في المائة منه إلى أوروبا، ستصل إلى ما يقرب من 20 مليار قدم مكعبة في اليوم بحلول 2025، ارتفاعا من نحو 14 مليار قدم مكعبة في اليوم الآن. لكن، الولايات المتحدة تصدر حاليا نحو 11 مليار قدم مكعبة في اليوم، نتيجة خروج محطة فريبورت للغاز المسال عن الخدمة منذ حزيران (يونيو).

في هذا الجانب، قال محلل إمدادات الغاز في وود ماكنزي، في وقت سابق من هذا العام، إن السباق على توريد الغاز المسال قد يؤدي إلى موجة ثانية من المشاريع الأمريكية، لكن تطوير الإمدادات الجديدة سيستغرق وقتا. لكن من المرجح أن يأتي كثير من إمدادات الغاز المسال الجديدة، بما في ذلك من المشاريع التي حصلت على قرارات الاستثمار النهائية في الأعوام السابقة، فقط بعد 2026. لذلك، حتى نحو 2026 سيتعين على أوروبا التنافس مع آسيا على الإمدادات الهامشية من الغاز المسال لتلبية الطلب - تماما مثل ما هو الحال الآن. المنافسة بين أوروبا وآسيا على الغاز المسال المحدود ستكون شديدة حتى وصول موجة إمدادات جديدة بعد 2026. وستظل الأسعار مرتفعة حتما حتى ذلك الحين.

في قطر، من المتوقع أن يبدأ الإنتاج الأكبر في العالم للغاز المسال في الربع الرابع من 2025. حتى ذلك الحين، العقود العالمية للغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل قبل 2026 قد تم بيعها، وفقا لأكبر مستورد ياباني للغاز المسال. في هذا الجانب، قالت شركة الاستشارات تايميرا للطاقة Timera Energy في تحليل الأسبوع الماضي إن استجابة العرض العالمي للغاز المسال على المدى القريب ضعيفة، لكن الأسعار القياسية تحفز الاستثمار في مشاريع التوريد الجديدة. التحدي الكبير هو أن متوسط المهل الزمنية لتنفيذ المشروع يبلغ نحو خمسة أعوام. الإمدادات الجديدة في العام المقبل وفي 2024 محدودة للغاية، ما يعكس فجوة في عدد المشاريع التي حصلت على قرارات الاستثمار النهائية في نهاية العقد الماضي في ظل بيئة أسعار منخفضة إضافة إلى الرياح المعاكسة العامة للاستثمار في مشاريع النفط والغاز. بالفعل، طاقات التسييل الجديدة المحدودة حتى 2025 جنبا إلى جنب مع قفزة في الطلب الأوروبي تدعم استمرار النظام الحالي للأسعار المرتفعة والأكثر تقلبا خلال العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة.

في نهاية المطاف، ستحقق المشاريع الأمريكية والقطرية زيادة كبيرة في المعروض الجديد بين 2025 و2026. لكن، في هذه الأثناء ديناميكيات أسواق الغاز الطبيعي المسال اعتبارا من 2025 ستعتمد بشدة على كيفية تطور الطلب العالمي على الغاز المسال. إضافة إلى ذلك، تعد مرافق الغاز المسال الضخمة عالية التكلفة جدا، وتستغرق أعواما لبنائها، وفي النهاية يمكن أن تظل أصولا عالقة إذا وصلت أوروبا إلى هدفها المتمثل في خفض استهلاك الغاز بـ30 في المائة بحلول 2030.

 

 

نقلا عن الاقتصادية