اليوم الوطني للمملكة له خصوصية خاصة، وتصنع له أهميّة في النفوس تتجاوز فرحة مواطنيه بذكرى التوحيد. فهذه التحديات والصعاب انتهت بأن تكون أمل الشرق ومستقبل نهضته. فبعد كفاح المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في مسيرة التوحيد التي استغرقت أكثر من ثلاثين عامًا، حملت في طياتها الكثير من المصاعب وقلةً في الموارد، إلا أنه تجاوزها بحكمته وبعد نظره ليحقق معها -بعد توفيق الله- الأمان والتأسيس لدولة راسخة وبداية لمسيرة التنمية. كما قد لا يعلم البعض بأن تلك الفترة التي خاضها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قد ظهرت تحديات أخرى كان أبرزها التعصب الديني ضد الانفتاح والتطور، وخارجياً ظهور أيديولوجيتين في منتهى القوة والعداء للغرب هما النازية في ألمانيا والشيوعية في موسكو.
بمهارة المؤسس تجاوز كل هذه التحديات وكان من أوائل من أدرك بعد توحيد البلاد أفول الزمن البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية وأدرك سريعاً بداية الريادة الأمريكية عام 1945م، أي قبل أن تدرك ذلك إسرائيل بسنوات والتي تفاجأت بضعف النفوذ الإنجليزي الفرنسي لاحقاً وذلك خلال حرب السويس عام 1956م. وفي المقابل أبقى الملك المؤسس خطوط الاتصال مع كبرى الدول بما فيها الاتحاد السوفيتي. حتى توفي المؤسس رحمه الله بعد أن أرسى قواعد الدولة الحديثة التي نراها اليوم.
في منتصف القرن الماضي حدث ظهور إسرائيل الذي كان من توابعه أولاً ظهور المد القومي العربي بجميع تياراته من ناصرية وحزب البعث بين الخمسينات والستينات الميلادية، والتي كان في ظاهرها الدعوة للوحدة العربية، إلا أن الحقيقة في باطنها مكّنت من وصول ضباط الجيش للسلطة وزرع بذور صراع دموي فيما بينهم تجسد في انقلابات متتالية أو حروب شوارع مثل أحداث عام 1986م في اليمن الجنوبي. غطت تلك الأنظمة فشلها بتصدير النقد والعداء الإعلامي للمملكة سواء عبر إعلامها أو من خلال تمويله في الخارج. وبعد المد العروبي ظهر الإسلام السياسي بأفكاره التكفيرية والإرهابية التي جعلت من المملكة أولى أهدافها.
كانت النيران قريبة من المملكة لكنها لم تمسّ العقل أو الجسد السعودي، وفي المقابل مضت المملكة في مسيرة نهضتها والأنظمة العروبية المعادية لها انهارت وزالت، ومضت في توطين صناعة البترول إلى أن أصبحت نموذجاً يحتذى به في هذه الصناعة، حتى أضحت أرامكو أنجح الشركات في تاريخ هذه الصناعة، وبأيدٍ وقيادة سعودية وطنية، بل أصبح إنتاجها يعادل إنتاج أكبر أربع شركات بترول في العالم. من البترول أصبحت سابك أحد أهم شركات البتروكيماويات في العالم والأهم استثمرت المملكة في أبنائها وهو التعليم وصنعت بنية تحتية متقدمة لتعزيز التنمية.
العالم اليوم يرى المملكة حجر الأساس في أمن الطاقة ومركزاً للتسامح والانفتاح لمحاربة التطرف الديني وفيها قبلة المسلمين. واليوم بقيادة الملك سلمان وسمو ولي العهد -حفظهما الله- تتوجه المملكة لأن تكون مركزاً للابتكار والاستثمار التقني ومركزاً لثقافة ريادة الأعمال لتضيف بذلك بعداً ثالثاً في مسيرة الحضارة الإنسانية لتبقى المملكة في كل عام شريكاً أكبر في النمو العالمي.
نقلا عن الرياض