الباحة ومعززات السياحة

08/09/2022 0
طلعت بن زكي حافظ

تشرفت بدعوة من إمارة منطقة الباحة للمشاركة في ورش العمل بالملتقى الثاني لإمارات المناطق للمبادرات والتجارب التنموية، وازددت شرفاً وغُمرت سعادة باللقاء والسلام على صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- أمير المنطقة.

وأتيحت لي خلال إقامتي بالمنطقة الفرصة لزيارة عدد من المحافظات التابعة للمنطقة، مثل محافظة "المندق"، وكذلك عدد من مواقع الآثار التاريخية الرائعة والجميلة، مثل قرية "ذي عين"، التي تحتضن بعض المباني القديمة التي يزيد عمرها على 400 عام والتي كانت تستخدم في الماضي كحصون للدفاع عن أهل القرية.

دون أدنى شك أن إمارة الباحة تُعد من بين أجمل وأروع المناطق السياحية في المملكة العربية السعودية، كون أن الله حباها بموقع سياحي مميز يزخر بالعديد من الإطلالات والمدرجات المنحدرات الخضراء التي تقع على قمم وسفوح الجبال، بالإضافة إلى ما تشتهر به المنطقة من وجود مبانٍ وأماكن سياحية لديها ذات طابع أثري، وتَمتعها كذلك بتشكيلات تضاريسية متنوعة وبمناخ جاذب على مدار العام، وبسحب ضبابية في فصل الشتاء وتدنٍ في درجات الحرارة وتعرضها لأمطار غزيرة، بما يجعل منها مناخاً معتدلاً وعليلاً في فصلي الربيع والصيف.

وفوق كل ذلك وذاك وهذا هو الأهم، تمتاز المنطقة بالترحاب وبشاشة وجوه أهلها وسكانها وحبهم للضيف وحرصهم الشديد على إكرامه وتوفير سبل الراحة له، وليس ذلك فحسب وإنما أيضا يشتهرون بأعمال الحرف اليدوية كالتطريز والنجارة وغيرها.

ومن بين المحافظات الرائعة والجميلة التي تشرفت بزيارتها باستضافة محافظها الشاب الأستاذ قاسم بن سعيد القرني لي ولسعادة الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور نوح الشهري بحضور عددٍ من أعيان المحافظة، والتي تقع على مرتفعات جبال السروات التي تطل على تهامة بارتفاع عن سطح البحر بنحو 2243 م، بمساحة تقدر بنحو 650 كم، ويتبعها أكثر من 100 قرية.

من أبرز معالم المحافظة الإسلامية التاريخية الجميلة والرائعة، أنها موطن لوجود قبائل ولد من رحمها العديد من الصحابة والصحابيات الأجلاء والجليلات -رضي الله عنهم جميعاً-، الذين من بينهم الصحابي الجليل أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر الدوسي.

أخيراً وليس آخراً، قد حصلت المحافظة على شهادة الاعتماد كمدينة صحية عالمية من منظمة الصحة العالمية بتحقيقها لــ 82 معيارا صحيا وتنمويا ومجتمعيا ورياضيا وغيرها.

أخلص القول؛ إن منطقة الباحة بمحافظاتها وقراها المختلفة، منطقة غنية بثرواتها الطبيعية والمعدنية ومناظرها الخلابة وآثارها التاريخية الجميلة، والتي برأيي يُمكن استغلالها اقتصادياً لأن تكون منتجعا، بل لأن تكون موقعاً مميزاً لمنتجعات طبيعية وريفية وحتى صحية.

ويمكن تحقيق ذلك بالتغلب على بعض التحديات والمعوقات الاستثمارية، التي يواجهها رجال وسيدات الأعمال بالمنطقة، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: هجرة أهالي المنطقة وعزوفهم عن الاستثمار واللجوء للاستثمار بمناطق ومدن المملكة الرئيسة، وصعوبة التضاريس، كونها تضاريس جبلية، وكذلك مشكلة الموسمية، والتمكين الحكومي، وغيرها من التحديات والمعوقات.

بالنسبة لمشكلتي الموسمية والتمكين الحكومي، فهتان المشكلتان يُمكن حلهما والتغلب عليهما بخلق وتحفيز رجال وسيدات الأعمال بالمنطقة للطلب على السياحة الدائم والمستمر على مدار العام في مجالات عدة، من بينها: الصحية والسياحية التي توفر للسائحين والزائرين أجواء وبيئة سياحية جاذبة للاسترخاء والاستجمام بشروط ومواصفات راقية وعالية الجودة وبأسعار مناسبة ومعقولة Affordable prices، شريطة العمل على إيجاد سلسلة من الفنادق ذات علامات تجارية معروفة على مستوى درجة الخمس نجوم، وأيضاً إيجاد سلسلة من وسائل الترفيه المتطورة والحديثة التي تتناسب مع جميع الأعمار والأذواق والرغبات السياحية، مما سيعمل على تحفيز المعروض السياحي، وبكل تأكيد ستكون الدولة بجميع أجهزتها مُمكنا وداعما قويا للمنطقة بتوفير شبكة من وسائل النقل الحديثة والبنى التحتية والفوقية اللازمة لدعم السياحة بالمنطقة، ولعل ما يؤكد على ذلك، مواصلة وزارة النقل والخدمات اللوجستية العمل على المشروع الذي يربط الرياض والباحة عبر بيشة والرين بطول 170 كيلو متر، والذي يهدف إلى اختصار المسافة بين الرياض والباحة بـ 280 كيلو متر، هذا بالإضافة إلى مشروع تحويل مطار الباحة إلى مطار دولي.

أتطلع من إمارة المنطقة العمل على تفعيل الاستراتيجية السياحية للمنطقة ومجلسها التنموي، بما في ذلك تفعيل الشراكات الاستراتيجية مع قطاع الأعمال (شركات وأفراد).

وأتطلع أيضاً إلى إنشاء هيئة مستقلة لتطوير المنطقة بشكل شامل أسوة ببعض المناطق الأخرى، كونها ستَمنح للمنطقة استقلالية ورشاقة في الحركة المرتبطة بمجال التخطيط والتطوير الشامل في كافة المجالات الاقتصادية والتنموية والبنية الأساسية والبنية التحتية الرقمية، بما في ذلك السياحة، وكذلك توفير احتياجات المنطقة من الخدمات والمرافق العامة.

هذه الهيئة ستعمل على لملمة الجهود وإحداث تكامل بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بما يُحقق التنمية الشاملة والمستدامة للمنطقة والارتقاء بمستوى خدماتها المختلفة.

كما أدعو صندوق الاستثمارات العامة التفكير في إنشاء شركة تُعنى بالتنمية السياحية بالمنطقة على غرار شركة السودة للتطوير التي أطلقت في 24 فبراير الماضي ضمن إسهامات الصندوق لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تعزيز وتطوير قطاعي السياحة والترفيه في المملكة.

 

 

نقلا عن الرياض