قبل عامين فقط، لم يكن بإمكان بعض كبار المعنيين بسوق النفط أن يتخيل الوضع الحالي للطلب والعرض. على سبيل المثال، في ذروة الوباء عام 2020 كتبت شركة بريتيش بتروليوم في توقعاتها السنوية للطاقة، أن الطلب العالمي على النفط قد بلغ ذروته عند نحو 100 مليون برميل في اليوم عام 2019، وسيستمر في التراجع التدريجي بسبب آثار الوباء والانتقال السريع للطاقة. بعد ذلك بعامين فقط، اعترفت الشركة بأنها ربما تكون قد قللت من تقدير حاجة العالم إلى النفط، رغم أنها التزمت بقوة بتوقعاتها طويلة الأجل بأن كهربة قطاع النقل ستؤدي في نهاية المطاف إلى ذروة الطلب على النفط. لكن "متى" تبقى علامة استفهام كبيرة.
في غضون ذلك، توقعت البنوك الاستثمارية حدوث انتعاش في الطلب، لأن ذلك شيء طبيعي يحدث بعد الكساد الوبائي الناجم عن عمليات الإغلاق. لكن، ما لم يتوقعوه "لأن من الصعب التنبؤ به" هو قوة وسرعة الانتعاش. في هذا الجانب، أقر بنك جولدمان ساكس أخيرا بوجود فجوة بين التوقعات والواقع، حيث تحركت الأسواق بشكل أسرع وكان تشدد الأسواق أعمق مما كان متوقعا قبل ثلاثة أو ستة أشهر. و"هذا هو المكان الذي يجب أن نكون فيه، لكنه أعمق بكثير مما كنا نظن في البداية. وأن الطاقة والغذاء في الوقت الحالي، مع دخولنا أشهر الصيف، يميلان بشدة إلى الاتجاه الصعودي".
قد يكون من المثير للاهتمام ملاحظة أنه حتى قبل ثلاثة إلى ستة أشهر قبل وقت طويل من أن يصبح العرض الروسي عاملا في احتمال ارتفاع أسعار النفط، كان هناك عدد قليل من الأصوات التي جادلت بأن سوق النفط في الواقع في حالة توازن.
كان سيتي بنك أحد هذه الأصوات. في شباط (فبراير) قال البنك: إنه يتوقع أن تنتقل سوق النفط إلى منطقة الفائض بفضل زيادة إنتاج النفط من الولايات المتحدة تحديدا من حوض بيرميان البرازيل وكندا. في الواقع، توقعت إدارة معلومات الطاقة أخيرا أن يصل إنتاج النفط في حوض بيرميان إلى مستوى قياسي هذا الشهر، لكن هذا لا يبدو كافيا لتعويض اختلال التوازن العالمي بين العرض والطلب، حيث يشير عديد من المنتجين الأمريكيين إلى أنهم غير راغبين أو غير قادرين بسبب نقص وتأخر سلسلة التوريد، على زيادة الإنتاج. في كندا، الإنتاج يرتفع، يمكن أن يرتفع إجمالي البلاد بما يقرب من مليون برميل يوميا، لكن هذا لم يحدث بعد. في البرازيل، الإنتاج في ارتفاع أيضا، لكنه فشل حتى الآن في إحداث فرق في الأسعار.
بطبيعة الحال، أسباب هذا الوضع السعري هي أولا، العقوبات المفروضة على روسيا التي تعد أكبر مصدر للنفط والوقود في العالم، وثانيا، عدم ضخ مجموعة "أوبك +" الإنتاج بالقدر المتفق عليه، السعودية والإمارات فقط لديهما طاقة إنتاجية احتياطية كافية لتعويض خسارة جزء مهم من الإنتاج الروسي، لكن الأسواق ستترك بعدها دون طاقات احتياطية.
ربما بعض المحللين البارعين توقعوا هذا الوضع في السوق. لكن الأمر لا يتطلب أن تكون محللا بارعا لتحديد هذه الأنماط: هؤلاء الأعضاء في "أوبك" الذين لا يستطيعون تحقيق حصص الإنتاج الخاصة بهم يجدون صعوبة في زيادة الإنتاج منذ أعوام. وحقيقة أن روسيا هي أكبر مصدر للنفط في العالم ليست خبرا جديدا بالضبط. ربما كانت المفاجأة الأكبر الشيء الذي كان من الصعب للغاية توقعه، هو السرعة التي انتعش بها الطلب على النفط، ومدى مرونة هذا الطلب رغم ارتفاع أسعار النفط التي شهدها العالم. في الإدراك المتأخر للأمور، من السهل أن نعزو ذلك إلى الانتعاش القوي والسريع في الطلب بعد عمليات الإغلاق، لكن من المعروف أن الإدراك المتأخر يسهل شرح الأحداث التي كان من شبه المستحيل التنبؤ بها، لكنه لا يعالجها.
بالطبع تكمن مشكلة توقعات سوق النفط وأي تحليل آخر في أن هناك دائما افتراضات يجب إجراؤها بسبب نقص توافر جميع المعلومات الضرورية. غالبا ما تكون الافتراضات آمنة، لكن في بعض الأحيان عندما تدخل السوق عوامل جامحة، سرعان ما تصبح الافتراضات بلا قيمة. في هذه الحالة كانت روسيا هي العامل الأساسي، لكن حتى العوامل المعروفة لم تؤثر في افتراضات المحللين. لا ينمو إنتاج الولايات المتحدة بصورة كبيرة أو بالسرعة التي توقعها البعض مع ارتفاع أسعار خام غرب تكساس الوسيط فوق 100 دولار للبرميل وبقي هناك. كهربة قطاع النقل لا تقوض الطلب لأن كهربة النقل تحدث ببطء أكثر بكثير مما كان متوقعا. وربما الأهم من ذلك، أن "أوبك +" قد تقول - على سبيل المثال - إنها ستعزز الإنتاج بمقدار مليون برميل إضافي يوميا، لكن في الواقع لم تصل جميع هذه الزيادات إلى السوق، لعدم قدرة بعض دول التحالف على الإيفاء بالتزاماتهم.
يبدو أن هذه هي الظروف التي أدت إلى تشكل عاصفة نفطية مثالية، متزامنة مع أحدث انقطاع ضخم في حقول النفط في ليبيا. الأمور، في الواقع، أبعد بكثير مما توقعه الجميع، والأمر الذي ربما يكون أكثر إثارة للقلق، أنها ستظل كذلك لفترة من الوقت لأنه لا يوجد على الطاولة حل سريع. آخر الأخبار من أكبر مستهلك للنفط في العالم، الولايات المتحدة، هو وضع قيود على الصادرات. سيؤدي هذا بالتأكيد إلى انخفاض نسبي في الأسعار المحلية وهذا ما لاحظناه أخيرا، لكنه سيدفع الأسعار العالمية أكثر، وقد يضر بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي. أحدث الأخبار من الولايات المتحدة هو أنها تخزن النفط الخام، بينما ينخفض إنتاج المصافي. يبدو أن التخزين هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به خلال هذه الفترة.
نقلا عن الاقتصادية