قراءات في فقه المعاملات المالية (7)

15/05/2022 2
عادل عبدالكريم

استكمالا لما سبق الحديث عنه، سنحاول في هذه السطور تقديم شروحات مبسطة عن دور الفقه الاسلامي بشقه الخاص بالمعاملات في تطوير الاقتصاد والتمويل الاسلامي، وتحديدا سنحاول تقديم سطور مبسطة عن القواعد الفقهية الكبرى وتحديدا نماذج من قواعد أئمة المذاهب الفقهية في عصر الاجتهاد.

ومن القواعد الفقهية المتعلقة بالعرف: "الحقيقة تترك بدلالة العادة"، والمراد بالحقيقة هنا: المعنى الأصلي للفظ في مقابل المعنى المجازي، وعلى هذا تحمل ألفاظ الناس في أقوالهم وتصرفاتهم على معانيها المجازية المتعارفة بينهم، لا على معانيها في أصل اللغة وتمثل هذه القاعدة مرونة كبيرة في بناء الأحكام المصلحية، القابلة للتعديل والتغيير حين اختلاف العرف والعادة. لأن" مظان المصالح تختلف باختلاف العصور والعادات.

وقال السلف: "كل حكم مرتب على عرف وعادة، يبطل عند زوال تلك العادة"، والعرف محكم في المعاملات خصوصا في الوكالات. بدليل: أنه لو وكل إنسانا بشراء الفحم في الشتاء، ثم جاء الصيف: ينعزل. ولو وكل بشراء الثلج في الصيف، ثم جاء الشتاء، ينعزل، ولا يجوز أن يشتري. ويجب توفيق العرف بما يأتلف مع معايير الشرع، أو إلغاؤه إذا لم يكن قابلا للإصلاح. ولذا: "لا يعتبر بما جرت به العادة إن كانت مخالفة لعادة الشرع". وعلى هذا حكم بحرمة الفوائد الربوية المصرفية على الرغم من العادة المتبعة لدى جماهير الناس في التعامل بها.

وربما يكون للعرف دور مهم في استبعاد التهمة وإزالة الشبهة القوية في التعامل. فالأصل أن لا يجوز قبول هدية المديان أو المقترض قبل الأداء، إلا ممن له عادة سابقة.

إن العادة المحكمة تفقد سلطانها في حال الاتفاق في الشروط والالتزامات العقدية المقبولة شرعا، على خلاف المعتاد المتعارف، إذ الصريح أقوى من الدلالة ولذا: "لا عبرة بالدلالة بمقابل الصريح". وعلى هذا صاغ الإمام عز الدين بن عبدالسلام قاعدته الكلية:

"كل ما يثبت في العرف إذا صرح العاقدان بخلافه بما يوافق مقصود العقد: صح".

وللعرف والعادة دور أساسي في مجال التقنين. ولذا نص ضمن مبادئ "قانون أصول المحاكمات الحقوقية"، الصادر في الدولة العثمانية عام 1322هـ، على أن "كل ما تعارف تداوله من أعيان ومنافع وحقوق يعتبر محلا صالحا للتعاقد عليه ككل مال متقوم، وكذلك الأشياء التي ستوجد".

ويظهر بالتأمل أن الأنظمة واللوائح في الغالب تعبر عن الأعراف الرسمية المتبعة، ويرجع إليها في فض المنازعات في كثير من الحالات، فعلى سبيل المثال قد جرى العرف بمنح الموظف مكافأة نهاية الخدمة في معظم البلدان، على أنه تختلف شرائحها حسب اختلاف القطاعات، فالعرف المقرر في شأنها في القطاع الحكومي لا يلزم القطاع الخاص، فقد يكون هناك تفاوت ملحوظ، وفي حال وقوع الخلاف بين الموظف وجهة العمل وحرمانه أو بخس حقه بدون مسوغ، يجب أن يصدر الحكم القضائي مع مراعاة العرف المتبع.

وعلى هذا النمط: إذا تعاقد صاحب برج سكني مع مهندس معماري على مراقبة ومتابعة أشغال البناء، مقابل أجرة شهرية يدفع مجموعها عند الفراغ من المشروع. وفي نهاية الأشغال التي استغرقت مدة ثلاث سنوات وفق التقويم الميلادي، وقع النزاع بينهما في تحديد الشهر الذي جرى الاتفاق عليه، هل هو شهر هجري أم شهر ميلادي ؟ ومعلوم أن الشهر الهجري أقل من الشهر الميلادي، وفي المدة المذكورة-وهي ثلاث سنوات-هناك 36 شهرا ميلاديا، و37 شهرا هجريا.

ففي هذه الصورة ينظر إلى التقويم المعروف المعتمد في البلد الذي أبرم فيه التعاقد. فإذا كان التقويم المتبع هو التقويم الهجري فالقول قول المهندس، فيأخذ أجرة 37 شهرا، وأما إذا التقويم المتبع ميلاديا فيكون القول لصاحب البرج، فلا يستحق إلا أجرة 36 شهرا. وهذا كله بناء على تحكيم العرف السائد في الحالات التي لم يتم الكشف عن نوعية التقويم المنصوص عليه صراحة في بنود العقد.

وبالمزيد من التعمق في أثر العرف في المعاملات المالية، سنجد ان هناك نصوص فقهية في هذا الشأن، ومنها:"العرف إنما يعتبر في معاملات الناس، فيكون دلالة على غرضهم"، "كل ما ورد في الشرع مطلقا ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يحكم فيه العرف، ومثلوه بالحرز في السرقة، والتفرق في البيع والقبض."

واخيرا، ان القبوض تختلف في الأشياء حسب اختلافها في أنفسها، وحسب اختلاف عادات الناس. فمنها ما يكون بأن يوضع المبيع في يد صاحبه، ومنها: ما يكون بالتخلية بينه وبين المشتري. ومنها: ما يكون بالنقل من موضعه، ومنها ما يكون بأن يكتال...".

المراجع:

1- المدخل إلى قواعد الفقه المالي، د. علي أحمد الندوي، معهد الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز.

2- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، زين الدين ابن نجيم، دار الكتاب العلمية.

3- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر – دمشق.

 

خاص_الفابيتا