ذكرى فقاعة دوت-كوم والآثار الباقية

11/03/2010 5
خالد أبو شادي

فى الثلث الاول من القرن السابع عشر ضارب الهولنديون على زهور التوليب بشكل مفرط وجنونى ادى الى ارتفاع سعر الزهره الواحده الى حوالى ربع مليون دولار بمقاييس عصرنا الحالى وهو الامر الذى ادى فى النهايه الى انهيار الاقتصادى الهولندى بشكل مثير بعد التدافع المحموم نحو المضاربة ،وتعد مضاربات "زهور التوليب" من اشهر المضاربات عنفا فى التاريخ ،لكن التاريخ لا ينسى ايضا المضاربه الشرسه التى تمت  على  اسهم شركه "بحر الجنوب" والتى كان اسحاق نيوتن ابرز خاسريها واطلق على اثرها كلمته الشهيره عن قدرته على تتبع حركه الكواكب والنجوم فى حين انه فشل فى تتبع جنون الناس ومن ثم الاسواق. � ومع العاشر من شهر مارس تتذكر الاسواق الامريكيه المراره الشديده التى عاشتها  فى ذلك اليوم العصيب جراء الارتفاع الجنونى لاسعار  اسهم شركات الانترنت او dot-com،فبعد عطله نهايه الاسبوع ومع بدايه تعاملات يوم الاثنين 10 مارس عام 2000 تم وضع سيل عارم من اوامر البيع على شركات التكنولوجيا امثال سيسكو ،اى بى ام ، اتش بى وغيرهم لينخفض مؤشر نازداك بشكل حاد وسريع الى مستوى 4879 هبوطا من مستوى 5048 وهى اعلى نقطه فى تاريخه على الاطلاق.

ولم يمض سوى 18 شهرا فقط حتى فقد المؤشر 78% من قيمته لتزداد فصول المأساه وتطول بعدما تسابق الجميع نحو "وداى السيلكون" بآمال وطموحات لاتنتهى مع بزوغ عصر الانترنت.

وكان مؤشر نازداك قد ارتفع بشكل جنونى من اسفل 1000 نقطه فى عام 1995 وصولا الى قمته عند 5048 عام 2000، بما يعنى ارتفاعا بأكثر من 400% خلال تلك الفتره والتى زادت حده المضاربه  اثنائها مع قرب  نهايه عام 1999 وبدايه الالفيه الجديده والتى  تزامنت مع رفع البنك الفيدرالى الامريكى لاسعار الفائده ست مرات متتاليه لاحتواء التضخم المجنون دون جدوى. � كان تحرك الاسواق محموما والطوفان يندفع  بقوة هائله استطاعت ان تدمر كل الحواجز الصناعيه التى تم وضعها امامه وبقى انتظار الكارثه فى اى لحظه.

ولقد كان التدافع الشديد تجاه اسهم التكنولوجيا وبنفس النمط مؤشر سوء بلا شك حيث كانت  كل الشركات تحمل نفس الفكر ونفس الاستراتيجيه وحتى نفس حلم  تبوأ المكانه المتقدمه بين الجميع وباهمال واضح للاساسيات الماليه والتجاريه وهو الامر الذى  اكد الانهيار حيث انه يستحيل ضمان النجاح تحت وطأه هذه الظروف حتى لو تم وضع الخطه الصحيحه لان السيل الجارف من  صنف واحد عندما يصب بنهر السوق فى وقت واحد سيجعل الجميع خاسرين.

ويمكن القول وبنوع من المبالغه اذا جاز التعبير ،ان هذه الفقاعه أثرت كثيرا على الفكر الاقتصادى التكنولوجى وابطأت تقدمه كما اثرت على النواحى الابتكاريه فى ذات المجال"الانترنت" لفتره ما وذلك كنتيجه حتميه للخسائر الرهيبه التى عانى منها المستثمرون جراء انهيار الاسهم حيث قسوة الدرس الذى لايُنسى. � ورغم ان الازمه اطاحت بشركات كثيره الا انها افرزت قوة شركات اخرى لكن تبقى فقاعه dot-com او فقاعه الانترنت احد المتهمين بقوة فى فقاعه العقارات التاليه والتى بلغت ذروتها فى عام 2008  واطاحت بشركات قويه امثال فانميه وفريدى ماك،حيث ان البنك الفيدرالى الامريكى اضطر  لخفض نسب الفائده الى مستوى متدنى عند 1% ولمده طويله وذلك للمساعده على نهوض الاسواق مره اخرى من كبوتها ،الا ان بقاء السيوله داخل الاسواق ولفتره طويله دون تحرك مضاد من الفيدرالى  مهد للفقاعه التاليه والتى لاتزال الاسواق تعيش محنتها الطاحنه ،وكان عدد كبير من المستثمرين قد اقتنع ان الملجأ الاستثمارى يتمثل فى العقارات مما هيأ لهجوم متزايد  تجاهه ومما زاد قناعه المستثمرين بذلك هو كون العقار نمط استثمارى تقليدى وأصل قائم  عكس الانترنت الذى لم تضح معالمه تماما فى تلك الفتره حيث لم يكن منتشرا بشكل يكفى للحكم عليه. � على ان السؤال يبقى قائما :من اين ستأتى الفقاعه التاليه ؟؟ هل من الفوركس ؟ام الذهب ؟ ام من شركات الطاقه البديله او المتجدده ؟؟؟

حقيقه فى السنوات القليله الماضيه نلاحظ الافراط فى التوجه الى اسواق العملات والتى تمثل قيمه الصفقات التى تتم خلالها فعليا 5% او اقل من حجم التعاملات التى تتم يوميا والتى تجاوزت التريلونات الثلاثه من الدولارات خلال عام 2007 بعد ان كانت اقل من تريليونى دولار عام 2004حسب ماذكر بنك التسويات الدوليه  bank of international settlements اما باقى 95% فهى مضاربات بحته على ارتفاع عمله وانخفاض اخرى من خلال تعظيم قيمه المضاربات عن طريق الروافع الماليه بنسب متفاوته حسب شركات الوساطه ، وهو الامر المقلق خاصه وان الكثيرين قد استقروا نفسيا فى تلك السوق بعد تداعيات 2008 بزعم كونها استثمارا بديلا عن الاسهم رغم عنف المضاربه وسهوله تحقيق الخسائر ،وهروب السيوله السريع تجاه اسواق العملات يهدد بظهور فقاعه  كبرى تأكل استثمارات افراد كثيرين  حول العالم مما يهدد ببطء الاقتصادى الدولى اكثر مما هو عليه الان ،ويبقى ما تعرض له الجنيه الاسترلينى وعملات نمور شرق اسيا –التى اضحت قططا-على يد جورج سوروس خير شاهد على الفوضى التى من الممكن ان تنطوى عليها مخاطر المضاربات العنيفه على العملات بعد تركها تتحرك تبعا لآليه عرض وطلب السوق بعد فك ارتباط الذهب بالدولار فى اوائل سبعنيات القرن الماضى.

على ان التخوف من الازمه الماليه دفع البعض الى التوجه الى اسواق السلع وخصوصا الذهب على اساس كونه "ضمانا للقيمه" فى اوقات الكساد والحروب ،خصوصا وان خطط التحفيز التى تم اقرارها  حول العالم ستدفع عملات كبيره الى التذبذب الشديد نتيجه لطابعه مزيد من اوراق النقد –خصوصا فى الولايات المتحده-وايضا  لعجوزات متوقعه فى الميزانيات العامه جراء ضخ سيوله كبيره فى الاسواق مما يفقدها القيمه وبالتالى يكون اللجوء للذهب كاجراء وقائى للحفاظ على القيمه فى حد ذاتها مع توقع ارتفاع ثمنه بالطبع. � ويبقى الاحتمال الاخير والمُلح كثيرا خصوصا بعد كثره الكلام عن التغير المناخى والثورات الاعلاميه التى زادت وتيرتها بشكل لافت رغم بطء التحرك من قبل المسؤلين لمعالجتها على ارض الواقع خصوصا مع تواجد الازمه الماليه  التى جعلت الكل ينكفىء على ذاته ومعالجه مشاكله الداخليه ومحاوله الخروج من براثنها والتى جعلت من قمه كوبنهاجن الاخيره  شكلا بلا اى مضمون حقيقى كما كان متوقعا –راجع مقال "فاتوره مؤجله بفوائد مركبه"- ...وهذه الرغبه الانسانيه فى حمايه البيئه خصوصا ستدفع رؤس اموال كبيره تجاه الاستثمار فى شركات الطاقات المتجدده بكل انواعها مما يمهد بحوث فقاعه محتمله . � وتبقى الفقاعات فى النهايه ضرورة اقتصاديه كما يراها البعض امثال الامريكى  بول كروجمان الذى يقول :"اذا لم يكن هناك فقاعه فعلى الحكومه ان تصنع واحده" ،وهى النموذج المتاح لديهم لتوفير  خروج منطقى من فترات الكساد و"الارهاق" الاقتصادى –اذا جاز التعبير-  لذا سنبقى فى انتظار فقاعه جديده .