وحش التضخم يلتهم نمو الاقتصاد العالمي

01/05/2022 2
محمد العنقري

لا تبدو أحوال البنوك المركزية في كبرى الدول اقتصادياً في وضع مريح، بتعاملها مع ملف التضخم، فما بين الضرورة لخفض الأسعار والحفاظ على النمو الاقتصادي الذي حققته، بعد أن دمر إقفال الدول للنشاطات الاقتصادية فيها بسبب تفشي فيروس كورونا منذ عامين وكلفها نحو 30 تريليون دولار ما بين خطط تحفيز وخسائر بالنشاط الاقتصادي بسبب تعطل آلة الإنتاج وتراجع حاد في سلاسل الإمداد، فالتضخم لم يعد عابراً كما توقع البنك الفيدرالي الأمريكي قبل نحو سنة واضطر للاعتراف متأخراً قبل نحو ستة أشهر أن التضخم مستمر وبدأ باتخاذ خطوات لمكافحته اعتبرتها الكثير من المؤسسات المالية الأمريكية متأخرة وتخشى أن تكون ردة فعل الأسواق سلبية جداً حيال أي خطوات مفاجئة، فبورصات أمريكا تحديداً تشهد نزيفاً حاداً منذ أسابيع وتحاول احتساب أي خطوات سيتخذها جيروم باول مع أعضاء المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسبوع القادم حيال نسبة رفع الفائدة وما هي خطواتهم المستقبلية لمواجهة التضخم.

فأول المفاجآت جاءت من أمريكا التي حقق اقتصادها انكماشاً مفاجئاً في الربع الأول عند نسبة 1.4 في المائة بعد قرابة العامين من النمو نتيجةً لما يحدث بالعالم من تعطل بسلاسل الإمداد ولبعض سياسات التحفيز الأمريكية التي قلصت عدد العاملين بمختلف القطاعات نتيجة حصولهم على دعم شهري يعادل ما كانوا يتقاضونه وهم على رأس العمل قبل جائحة كورونا ففضلوا البقاء بدون عمل لحين انتهاء فترة الدعم، إضافة لحجم الأموال الضخم الذي ضخ في الأسواق مع فائدة صفرية ثم جاءت تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية وما اتخذ من عقوبات على صادرات الطاقة الروسية وغيرها من العقوبات التي أقرتها دول الناتو وحلفاؤهم على موسكو أشعل ملف التضخم وزاد من لهيب أسعار السلع عموماً فتحول النمو لانكماش ووصلت أسعار المستهلكين لمستوى من الارتفاع بلغ 8.5 في المائة وهو معدل لما تراه أمربكا منذ أربعة عقود مما يعني أن الفيدرالي الأمريكي قد يتحرك برفع أسعار الفائدة حسب بعض التوقعات بالأسواق لمعدل يفوق 2.25 في المائة على الأقل هذا العام من نطاق يراوح ما بين ربع إلى نصف نقطة حالياً، إضافة لاتجاهه لتقليص ميزانيته العمومية التي تبلغ تسعة تريليونات دولار التي قد يعلن عن بداية خفضها خلال شهرين من تاريخنا الحالي رغم أنه كان يتوقع ألا يبدأ بهذه الخطوة فبل عام 2024 م وقد قام بايقاف برنامج التيسير الكمي في مارس الماضي كخطوة أولية لمواجهة التضخم لكنه قد يواجه في توجهاته لتحديات عديدة بعد الانكماش الاقتصادي الذي أعلن عنه من قبل وزارة التجارة الأمريكية فكيف سيحافظ على النمو الاقتصادي؟ وما ردة فعل حكومة الرئيس بايدن؟ إذ يحرص على أن يبقى الاقتصاد بوضع يساعد حزبه في انتخابات الكونجرس القادمة في نهاية العام الحالي، فاستطلاعات الرأي إشارة لتراجع في شعبية حكومة بايدن وإذا ما تفاقمت الأوضاع الاقتصادية فإن ذلك سيقلص فرص حفاظ الديمقراطيين على الأغلبية بالكونجرس ويعطي الفرصة للجمهوريين باستعادة الأغلبية التي ستمارس ضغطاً على سياسات بايدن وستمثل احتمالاً كبيراً لتعطيل مشاريع دعم الاقتصاد التي يطمح لإجازتها من مجلس النواب.

ولا يقل الوضع السلبي في منطقة اليورو وأوروبا عموماً عن أمريكا فأسعار المستهلكين وصلت لمستوى 7.4 في المائة بارتفاعات متلاحقة وسريعة خفضت النمو الاقتصادي في أكبر دول الاتحاد ألمانيا وتغيرت التوقعات لتحقيق نمو بمقدار 2.4 من نحو 4.5 في المائة كانت متوقعة هذا العام فأسعار الطاقة: الغاز والنفط ارتفعت بنسب عالية في أوروبا نتيجة المخاوف من القيام بفرض حظر على صادرات الطاقة من روسيا لأوروبا فـ 40 في المائة من الغاز المستهلك في أوروبا يأتي من روسيا وتعد ألمانيا وإيطاليا أكبر المستوردين وتبدو دول الاتحاد الأوروبي في حالة استنفار كامل على كافة الأصعدة حيث تمثل حرب روسيا على أوكرانيا أكبر تحد لهم خوفاً من الانزلاق لحرب شاملة مع روسيا.

ومن جهة أخرى فهم يحاولون إيجاد البديل للطاقة من روسيا حتى تتوقف أهم مصادر دعم الخزينة الروسية، حيث يمكن أن يكون لذلك دور بتسريع إيقاف الحرب وبالمقابل بدأت اقتصاديات دول الاتحاد بالتراجع بينما يفكر البنك المركزي الأوروبي البدء في رفع أسعار الفائدة هذا العام رغم أنه أقر بأن اقتصاد منطقة اليورو ما زال نموه هشاً ولم يصل لمرحلة التعافي الكامل لكنه قد يضطر لخطوات تشديد سياساته لمواجهة التضخم فالتحديات في أوروبا واسعة ما بين مخاطر الحرب في أوكرانيا وتحمل تكلفة تدفق اللاجئين بأعداد ضخمة منها إضافة لدعم المجهود العسكري لأوكرانيا والحفاظ على النمو الاقتصادي فالمعادلة تبدو صعبة الحل على ضفتي الأطلسي والعواقب وخيمة على أكبر منطقتين اقتصاديتين في العالم.

التضخم يقترب من مرحلة فقدان السيطرة عليه عالمياً فأسعار السلع ارتفعت بنسب حادة خصوصاً السلع الغذائية وهو ما يهدد استقرار دول فقيرة بمختلف القارات وقد يعيد العالم لمربع الركود من جديد ما لم يتم اتخاذ إجراءات كفيلة بحلول عاجلة لتعطل سلاسل الإمداد وتغيير في طرق تعامل بعض الدول المهمة مع احترازاتها لمواجهة جائحة كورونا بتغيير سياسات الاغلاقات لأساليب لا تعطل الإنتاج فيها إضافة لإيجاد حل سياسي للحرب الروسية - الأوكرانية وتعزيز التعاون التجاري الدولي وعدم التحول ببعض الدول لإيقاف صادراتها من السلع المهمة سواء الغذائية أو المعادن وغيرها فالتضخم سيلحق ضرره بالعالم دون استثناء وإن كان بنسب متفاوتة لكن مخاطره ستستمر وتتوسع إلى أن تطبق الحلول الجذرية على المستوى الدولي وليس بما تقره كل دولة منفردةً فقط.

 

 

 

نقلا عن الجزيرة