تعطل سلسلة التوريد العالمية، التضخم الكبير، نقص إمدادات الطاقة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية: جميع هذه الظروف كانت موجودة حتى قبل الأزمة الأوكرانية. والآن، يبدو أن كل شيء يزداد سوءا. كم من الوقت نحتاج حتى تعود الأمور إلى طبيعتها؟ يحاول المحللون وضع فرضيات لكيفية انتهاء الأزمة لأغراض تحليل سوق النفط. السؤال المهم هو: ما إذا كانت ستنتهي عاجلا أم آجلا؟ مع الأسف، من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأن الإجابة تعتمد على عدة عوامل. ومع ذلك، هناك سؤال أكثر أهمية من ذلك: هل ستعود الأمور إلى طبيعتها؟
وفقا لبعض المراقبين، ستعود. على سبيل المثال، ذكر مايكل لينش، محلل الطاقة، أخيرا، أن الحرب ستنتهي عاجلا أم آجلا، وستعود سوق النفط إلى طبيعتها، مع انخفاض الأسعار إلى مستوى مقبول أكثر. من بين التطورات التي توقعها، رفع العقوبات الغربية عن روسيا، وبالتالي، عودة كاملة إلى حد كبير لكيفية عمل أسواق الطاقة قبل الأزمة.
في الواقع، حتى الآن لم يتم فرض عقوبات على النفط والغاز الروسي من قبل أي دول مستهلكة كبرى عدا الولايات المتحدة، في المقام الأول جاء التأثير الأكبر من الشركات التي توقفت طواعية عن شراء النفط الروسي. قد يتغير هذا، حيث يشير بعض التوقعات إلى خسارة في السوق قد تصل إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم من إجمالي الإنتاج الروسي البالغ نحو 11 مليون برميل في اليوم. بالتأكيد سيؤدي مزيج من تراجع العنف و/أو التعب من الأزمة إلى استئناف هادئ للمشتريات، ما سيقلل الضغط على السوق ويقلل الأسعار سواء من خلال انخفاض علاوة المخاطر أو تراجع الطلب في الأسواق الفورية.
ومع ذلك، أشارت الدول الغربية إلى أنه لن يتم رفع العقوبات بهذه الطريقة. في الواقع، قال وزير الخارجية الأمريكي إنه حتى لو قررت روسيا الانسحاب من أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات، وعليها أولا تقديم تأكيدات بأنها لن تغزو أوكرانيا مرة أخرى. من جانبها، أوضحت روسيا أنها لا تنوي الانسحاب أو تقديم ضمانات في هذه المرحلة، لذلك سيكون من الآمن القول إن العقوبات ستظل سارية في المستقبل المنظور.
فكلما طال الوضع الحالي، زاد احتمال أن يؤدي إلى بعض التغييرات الهيكلية في أسواق الطاقة التي لا رجعة فيها، مثل اعتماد أوروبا بشكل متزايد على الغاز الطبيعي المسال المكلف بدلا من واردات خطوط الأنابيب الأرخص بكثير، واعتماد روسيا بشكل متزايد على آسيا لصادراتها من الطاقة. وستظل أسعار النفط والغاز مرتفعة لفترة أطول.
يبدو أن هذه هي الحال أيضا في السيناريو الافتراضي الذي وضعه محلل الطاقة مايكل لينش، الذي يفترض رفع العقوبات هذا العام. وأشار لينش إلى أنه رغم عودة الإنتاج الروسي إلى الأسواق الغربية نتيجة ذلك، إلا أن مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من النفط انخفضت بمقدار 300 مليون برميل عن متوسط الخمسة أعوام، ما يعني أن الأسعار ستظل مرتفعة نسبيا حتى تتم إعادة ملء المخزونات. لكن مع انخفاض الأسعار، سيزداد الطلب قوة رغم حقيقة أنه ما زال مرتفعا للغاية.
سيكون هناك تراجع في عديد من المجالات بمجرد أن يتضح أن أسعار النفط والغاز لن تظل مرتفعة. خصوصا، في العودة إلى عام 2008، عندما بلغ سعر النفط 145 دولارا للبرميل، كانت هناك أصوات عديدة تصر على أن هذا يمثل تغييرا جذريا للطلب. في ذلك الوقت، اعتقد كثيرون أن الطلب الأمريكي على البنزين قد بلغ ذروته. لكن، من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى ذروة الطلب على النفط.
مع ذلك، من المؤكد أن تحصل مبيعات السيارات الكهربائية على دفعة على خلفية ارتفاع أسعار الوقود، وقد تظل مرتفعة عند نهاية الأزمة، رغم أن النقص في الرقائق الإلكترونية ومواد البطاريات يعيق توقعات ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية.
في الوقت الحالي، تشهد مبيعات السيارات الكهربائية ارتفاعا رغم ارتفاع أسعارها بسبب نقص مواد البطاريات. حيث يندفع المشترون في جميع أنحاء العالم لشراء السيارات الكهربائية هذا العام حتى مع ارتفاع أسعارها، ما أدى إلى قلب المقولة التقليدية في صناعة السيارات بأن مبيعات السيارات الكهربائية لن تنفجر إلا بعد انخفاض تكاليف البطارية بشكل كبير. في هذا الجانب، أفادت وكالة رويترز أن مبيعات السيارات الكهربائية العالمية في الربع الأول قفزت بما يقرب من 120 في المائة. ومع ذلك كانت هذه مجرد البداية. لا يزال من المتوقع ارتفاع أسعارها أعلى، وقد تصبح المركبات الكهربائية نادرة.
في هذا الجانب، حذر الرئيس التنفيذي لشركة Rivian أن النقص في بطاريات السيارات الكهربائية يمكن أن يطغى قريبا على المشكلات التي واجهتها صناعة السيارات من نقص رقائق الكمبيوتر. حيث تعد مشكلة أشباه الموصلات صغيرة مقارنة بما نحن على وشك الشعور به من نقص خلايا البطارية خلال العقدين المقبلين.
بالفعل، على مدى العامين الماضيين، أدى نقص الرقائق الإلكترونية إلى قيام الشركات بخفض الإنتاج وقطع الميزات الإلكترونية، مثل الشاشات التي تعمل باللمس وسخانات المقاعد. الآن، قد يواجه صانعو السيارات الذين يتطلعون إلى التحول إلى السيارات الكهربائية نقصا حادا في بطاريات المركبات الكهربائية، فضلا عن المعادن اللازمة لإنتاج ما يقرب من ألف رطل من بطاريات أيون الليثيوم. يمثل كل إنتاج خلايا الليثيوم في العالم مجتمعة أقل بكثير من 10 في المائة مما ستحتاج إليه الصناعة في عشرة أعوام، أي إن نحو 90 في المائة من سلسلة توريد خلايا البطارية اللازمة ستكون غير متوافرة.
ما يعنيه هذا بالنسبة للطلب على النفط هو أنه سيزداد أكثر. في سيناريو افتراضي تنتهي فيه الأزمة الأوكرانية بحلول نهاية هذا العام، من المحتمل أن نشهد عودة الطلب على النفط تماما كما عاد بعد الوباء. وبشكل أكثر دقة، فإنه سينمو بالسرعة التي نما بها الطلب بعد الوباء. حتى الآن لا يبدو أن الأزمة الأوكرانية دمرت كثيرا من الطلب على النفط، لكنها غيّرت أنماط العرض فقط. لذلك، سيظل النفط هو المسيطر، حتى في الأسعار المرتفعة.
نقلا عن الاقتصادية