قراءات في فقه المعاملات المالية (5)

17/04/2022 0
عادل عبدالكريم

استكمالا لما سبق الحديث عنه، سنحاول في هذه السطور تقديم شروحات مبسطة عن دور الفقه الاسلامي بشقه الخاص بالمعاملات في تطوير الاقتصاد والتمويل الاسلامي، وتحديدا سنحاول تقديم سطور مبسطة عن القواعد الفقهية الكبرى وتحديدا نماذج من قواعد أئمة المذاهب الفقهية في عصر الاجتهاد، فعلى سبيل المثال يمكن اقتراح الصيغة الآتية، التي يمكن الانطلاق منها في البحث حول قضية حماية المخاطر :

- الأصل وقاية المال من المخاطر.

وهذا ما يشير إليه جواز خيار الشرط في العقود المالية. فعن الإمام أمير كاتب الإتقاني: " ... إن الشرع جوز خيار الشرط بخلاف القياس في حق من لا اهتداء له في المعاملات، فجعلنا الشرط داخلا في الحكم ... تقليلا للخطر بقدر الإمكان"، وقد حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الاستثمار بأسلوب حكيم يتم به توزيع المخاطر، ومن ثم تتحقق حماية الأموال من الأخطار الفادحة المدمرة لها، إذ قال ما نصه: "اجعلوا الرأس رأسين، وفرقوا عن المنية، ولا تلثّوا بدار معجزة".

- فرقوا عن المنية.

أي فرقوا أموالكم فلا تضعوها في سلة واحدة جملة واحدة، كي لا تتلف نهائيا. ومقتضى ذلك أن تشتروا بثمن الواحد الغالي من الحيوان مثلا: اثنين من المتوسط، حتى إذا مات أحدهما بقي الثاني. فإنكم إذا غاليتم بالواحد فذلك تعريض للمال مجموعا للتهلكة. فإن العاقل البصير لا يضع كل ماله في استثمار واحد، بل ينوع ويعدد بإعمال الفكر، حتى تبقى مجالات التدارك متسعة أمامه لدى الخسران.

- الأمور بمقاصدها.

إحدى القواعد الخمس الكبرى التي عليها مدار كثير من الأحكام. وهي مأخوذة من الحديث الشريف: "إنما الأعمال بالنيات". وهذا الحديث من جوامع الأحاديث للأحكام الشرعية وقال الإمام الخطابي: "وهذا الحديث أصل كبير من أصول الدين، ويدخل في أحكام كثيرة ... ومعناه أن صحة أحكام الأعمال في حق الدين إنما تقع بالنية، وإن النيات هي الفاصلة بين ما يصح منها وبين ما لا يصح"، ومدلول الحديث "عام في العبادات والمعاملات".

ومن تطبيقات القاعدة:

"لو وجد إنسان شيئا ذا قيمة مالية في الطريق، فأخذه بنية رده إلى صاحبه اعتبر هذا الشيء أمانة في يده، فلا يضمنه لو هلك بدون تعد منه ولا تقصير في حفظه، كما هو حكم الأمانات. أما لو أخذه بقصد أن يحوزه لنفسه كان غاصبا، فلو هلك في يده، ضمنه مطلقا، ولو كان هلاكه بدون صنعه وتقصيره كما هو حكم المغصوبات".

إذا ألقينا نظرة عامة على مراجع الفقه الإسلامي، ألفينا قسم المعاملات المالية ذا الحظ الأوفر في تضمنه القواعد والضوابط الفقهية. وذلك لما يحتاج إليه هذا القسم من كثرة التعليل والتحليل والضبط نظرا إلى كثافة الاجتهادات والآراء المختلفة في إطار المعاملات، إذ الغالب عليها الاستنباط والاستنتاج في ضوء النصوص التشريعية. على أن هناك قواعد كبرى لها أهمية قصوى في هذا المجال، قد عني بها العلماء بوجه خاص. ومما يعضد ذلك أن الإمام محمد بن عبدالله الإشبيلي الشهير بأبي بكر ابن العربي المالكي (543هـ)، الذي شرح "الموطأ" شرحاً وجيزاً قيماً في كتابه "القبس"، ثم شرحه شرحا متوسطا في كتابه "المسالك في شرح موطأ مالك"، وكذلك وضع شرحه على سنن الترمذي بعنوان "عارضة الأحوذي"، قد ركز في هذه الكتب الثلاثة على التعليل والتقعيد الفقهي. وعلى هذا وضع عشر قواعد ـ منها عبارة عن نصوص شرعية ومنها مستنبطة من الكتاب والسنة في كتاب البيوع ـ وأدار عليها المسائل في الغالب، وجعلها أسساً، تبنى عليها جملة من الأحكام المتفرعة من أحاديث "الموطأ" الواردة في تلك الأبواب المتعلقة بالمعاملات المالية.

وفي القرن الثالث عشر الهجري كان لتدوين "مجلة الأحكام العدلية" دور بناء وإسهام كبير في تبصير الناس بقواعد الفقه المالي، إذ اختارت اللجنة تسعاً وتسعين قاعدة وصدّرت بها مجموعة القوانين في المعاملات، وبهذا دخلت هذه القواعد طور التقنين، وقد تولى شراح "المجلة" بيانها. وهي تمثل أهم القواعد على الرغم من تتابع الجهود في مجال الفقه المالي.

ومن مؤشرات التقدم نحو هذا الاتجاه: أن تظهر دراسات معاصرة ذات الاهتمام البالغ بالتقعيد الفقهي، ومنها أطروحات للدكتوراه والماجستير، وفي كل ذلك دلالة على مدى عناية الباحثين بكشف النقاب عن خبايا القواعد الفقهية وإبرازها فيما يتصل بالمعاملات المالية.

 

المراجع:

1- المدخل إلى قواعد الفقه المالي، د. علي أحمد الندوي، معهد الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز.

2- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، زين الدين ابن نجيم، دار الكتاب العلمية.

3- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر – دمشق.

 

خاص_الفابيتا