السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي .. ماذا يعني للأسعار؟

14/04/2022 1
د. نعمت أبو الصوف

تحت ضغط متزايد لخفض أسعار الطاقة المرتفعة، ستطلق الإدارة الأمريكية ما يصل إلى 180 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي. وفي غضون ذلك، وافقت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية على سحب 120 مليون برميل من النفط الخام. لكن هذا الرقم سيشمل 60 مليون برميل من 180 مليون برميل من إصدار الاحتياطيات الاستراتيجية في الولايات المتحدة. ومن المقرر سحب 240 مليون برميل من النفط الخام من الاحتياطي الاستراتيجي على مدى ستة أشهر.

بالفعل، انخفضت أسعار النفط عند الإعلان عن الإصدار بالتزامن مع إشعارات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأنه سيرفع أسعار الفائدة بأقل مما كان مخططا له في الأصل. في يوم الإعلان، انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 100 دولار للبرميل، منخفضا 4.83 دولار خلال اليوم. تم تداول خام برنت عند 101.90 دولار للبرميل، بانخفاض 4.74 دولار للبرميل (-4.44 في المائة) خلال اليوم.

مع ذلك، من المتوقع أن تكون الضغوط الهبوطية على أسعار النفط الخام مؤقتة، في غياب أي زيادات في الإنتاج أو انخفاض كبير في الطلب. في وقت سابق من هذا العام، وافقت الولايات المتحدة على الإفراج عن 30 مليون برميل كجزء من إصدار وكالة الطاقة الدولية. كما أعلنت العام الماضي سحب 50 مليون برميل في محاولة لخفض الأسعار للمستهلكين، الأمر الذي أدى إلى تآكل القوة الشرائية للأمريكيين. هذا الإجراء ضغط على الأسعار لبضعة أيام قبل أن تنتعش، مدفوعة بالانضباط المستمر بين منتجي النفط الأمريكيين، والانضباط المماثل في "أوبك +"، والزيادة المستمرة في الطلب على النفط.

ثم جاءت الأزمة الأوكرانية، وحظرت الولايات المتحدة واردات الخام والوقود الروسي. كما فرضت عقوبات شديدة على النظام المالي في البلاد، ما جعل دفع ثمن النفط الخام والوقود الروسي مشكلة كبيرة للصناعة الدولية القائمة على الدولار. ارتفعت الأسعار مرة أخرى قبل أن يتراجع بعضها، لكنها ظلت ثابتة فوق 100 دولار للبرميل.

وقالت وزارة الطاقة الأمريكية إنه حتى منتصف آذار (مارس) تم بيع أو تأجير نحو 30 مليون برميل من النفط الخام من احتياطي البترول الاستراتيجي. وهذا يمثل أكثر من نصف الـ50 مليون برميل التي تم الإعلان عنها في تشرين الثاني (نوفمبر)، ويبدو أنه لم يكن لها أي تأثير في حركة الأسعار. لكن الإصدار الاحتياطي الجديد أكبر بكثير، لذا يجب أن يحدث فرقا، أليس كذلك؟ قد يصل إلى نحو مليون برميل في اليوم على مدى عدة أشهر. ولكن الأهم من ذلك، أن أساسيات أسواق النفط لم تتغير كثيرا منذ تشرين الثاني (نوفمبر).

لقد أعاد منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة ترتيب أولوياتهم، لم يعودوا يسعون لتحقيق نمو الإنتاج بأي ثمن. الآن هم يسعون جاهدين لإرضاء المساهمين. وقد أعطى هذا مزيدا من الفرص لشركات النفط الصغيرة المستقلة التي ليس لديها مساهمون لإرضائها. ومع ذلك، فقد واجهت هذه تحديات أيضا، ولا سيما في شكل تمويل غير كاف لأن سياسات تحول الطاقة جعل البنوك تقلق بشأن سمعتها ومساهميها. اضطرابات الإمدادات المرتبطة بالوباء أثرت أيضا في قدرة صناعة النفط الأمريكية على توسيع الإنتاج. من بين الأمور التي تم الإبلاغ عنها نقص المعروض في رقع النفط الصخري، الرمل المستخدم في عمليات التكسير الهيدروليكي، الأسمنت والمعدات. الآن، هناك أيضا نقص في الأنابيب الفولاذية.

وفي الوقت نفسه، مجموعة "أوبك +" تعمل كالمعتاد، وتلتزم بخططها بإضافة نحو 400 ألف برميل يوميا إلى أسواق النفط كل شهر حتى يتعافى إنتاجها المشترك إلى مستويات ما قبل الوباء. أخيرا فقط، وافقت المجموعة على إضافة شهرية أخرى قدرها 432 ألف برميل يوميا إلى إنتاجها المشترك على الرغم من الدعوات اليائسة المتزايدة من الولايات المتحدة للحصول على مزيد من النفط. تظهر "أوبك" بصراحة متزايدة أن مصالحها ومصالح بعض أكبر حلفائها متوافقة في الوقت الحالي.

على العكس من ذلك، أبدت "أوبك" رفضها "تسييس" قرارات "أوبك +" حفاظا على استقرار أسواق الطاقة.

في هذه البيئة، سحب أي كمية من الاحتياطيات الاستراتيجية يمكن أن يوفر راحة قصيرة جدا للمستهلكين. بعد ذلك، قد يزيد الأمر سوءا. كما قال أحد المعلقين في سوق النفط على "تويتر" حول خبر السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي، "سيبيع البيت الأبيض هذه البراميل بسعر 100 دولار للبرميل ثم قد يضطر بعد ذلك لشرائها بسعر 150 دولارا للبرميل".

في الواقع، هناك شيء واحد يتم تجاهله خلال الأوقات المضطربة وهو أن احتياطي البترول الاستراتيجي لأي بلد يحتاج إلى إعادة الملء. لا يطلق عليه استراتيجي لمجرد كلام. وسيكون إطلاق 180 مليون برميل بمنزلة سحب كبير على الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة الذي يبلغ حاليا أكثر من 580 مليون برميل. إذا ظلت أساسيات أسواق النفط كما هي، فلن تنخفض الأسعار عندما يحين وقت إعادة الملء لاحتياطي النفط الاستراتيجي. يبدو أن هذا هو التطور الأكثر احتمالا. حيث صرح الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة على روسيا لن يتم رفعها حتى لو أبرمت موسكو اتفاق سلام مع الحكومة الأوكرانية. وهذا يعني أن النفط الروسي سيظل من الصعب الحصول عليه لمن يتعامل بالدولار أو اليورو.

النقص في إمدادات النفط الروسية يمكن أن يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا، فيما ارتفع إنتاج النفط الأمريكي أخيرا لأول مرة منذ أكثر من شهرين، بمقدار متواضع بنحو 100 ألف برميل يوميا، لكن هذه الزيادة مجرد قطرة في بحر.

 

 

نقلا عن الاقتصادية