حرب أوكرانيا مع روسيا أفرزت مجموعة من الوقائع الاقتصادية على الأرض، أول هذه الوقائع هو قطع طُرق الإمدادات لبعض السلع الرئيسية مثل النفط الذي ارتفعت أسعاره نتيجة الحرب، ثم نقص إمدادات الغذاء، وأهمها القمح، لا سيما للدول العربية، ونحن نشهد تحرك بعض رؤساء الدول العربية، وهم يوجهون أجهزتهم المعنية بتوفير الغذاء لشعوبهم لمدة ستة أشهر على الأقل خوفاً من أن يطول أمد الأزمة.
هذا يقودنا لسؤال قديم جددته الأزمة الأوكرانية الروسية، وهو لماذا لا تسعى الدول العربية لخلق تكامل اقتصادي بينها؟ لتكون بمنأى عن الأزمات العالمية، أو على الأقل لخلق مصدر آخر للغذاء يمكن الاعتماد عليه، فإذا كان النفط يوجد في دول الخليج والعراق وليبيا، فالماء يتوفر في السودان ومصر، وكذلك يوجد مناخ خصب لزراعة الزيتون والفواكه في دول المغرب العربي.
والدول التي تمتلك الأرض، ويتوفر بها الماء والأيدي العاملة، مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتكييف أنظمتها الاستثمارية، لتتيح لرأس المال أن يعمل وفق قوانين واضحة، وأن يعزل ولو بشكل جزئي عن تداخلات السياسة، وأن تقوم هذه الدول بوضع خطط واضحة تشرف عليها لجان عُليا ترتبط برأس الدولة لمنع تداخل الفساد في مثل هذه المشاريع الحيوية التي توفر أمناً غذائياً للدول العربية غير الزراعية، وكذلك توفر أمناً غذائياً لهذه الدول التي تقام بها المشاريع، إذ لن يصدر سوى الفائض، لأن المستثمر متى ما وجد السوق المربحة فإنه سيبيع إنتاجه.
كما أن مثل هذه المشاريع ستوفر أمناً سياسياً للبلدان التي ستقام بها من خلال توفير الوظائف، وتقليل نسب البطالة التي دائماً ما تقلق الساسة.
وفي رأيي أن مثل هذه المشاريع لو كانت قائمة لما وُجدت مشكلة سد النهضة أصلاً، لأن كل الدول العربية ستشكل ضغطاً على إثيوبيا، سواء بالعصا أو الجزرة لمنع إقامة هذا السد، لأن الدول ستدافع عن مصالحها أولاً وقبل مصالح أصدقائها!!! فحين يكون لك استثمارات فستدافع عنها بضراوة، لأن يدك في النار وليست في الماء.
وإذا نظرنا للدول العربية الصالحة للاستثمار الزراعي، فإننا نراها تتركز في الدول العربية الأفريقية والعراق وبلاد الشام، وهذا يقودنا لسؤال آخر، وهو لماذا لا تتوجه الدول العربية للاستثمار الزراعي في الدول الأفريقية؟ وأتذكر في هذا السياق أنه عقد في الكويت مؤتمر للأمن الغذائي بين دول آسيا ودول أفريقيا، واستضافني تلفزيون الكويت، وأبديت تحمساً للموضوع شرط معالجة الفساد الإداري المستشري في القارتين، وهنا أضيف أن تقام هذه المشاريع وفق اتفاقات واضحة تخضع لإشراف أعلى الجهات في البلدين، ليمكننا تأمين أمننا الغذائي، أو على الأقل تنويع مصادره. ولو التفت العرب للقارة الأفريقية، ووفقت الدول الأفريقية قوانينها، ونجحت هذه الاستثمارات لجذب ذلك للقارة الأفريقية استثمارات عالمية. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط