أهمية تسعير السلع الدولية بالعملة الوطنية

20/03/2022 0
د. فهد الحويماني

تستفيد الولايات المتحدة كثيرا من مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية، حيث يتم تسعير سلع عديدة ومتنوعة بالدولار الأمريكي، من النفط والغاز إلى المعادن والمنتجات الزراعية وغيرها، ولذا فإن أي اختلال في هذا التوازن سيكون له تأثير معتبر في قوة الدولار الأمريكي وفي الاقتصاد الأمريكي ككل.

يتردد بين الحين والآخر احتمال استخدام عملات أخرى غير الدولار الأمريكي لتسعير السلع في الأسواق الفورية والأسواق المستقبلية، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ولا يوجد ما يشير إلى جدية هذا التوجه ومدى جدواه. فلا يزال مؤشر الدولار في حالة تصاعد منذ عامين، حيث يقف الآن قرب 98 نقطة، وهو في أعلى مستوياته منذ 15 عاما. فلو كانت هناك مخاوف حقيقية تواجه الدولار لما استمر بالتماسك والصعود طيلة هذه الأعوام.

أحد أهم مسببات تماسك الدولار يعود لاستخدامه كعملة عالمية في تسعير الأصول، وفي مقدمة تلك السلع، النفط الذي يباع نحو 80 في المائة منه بالدولار، في عمليات تصل قيمتها السنوية إلى نحو 14 تريليون دولار. ما أهمية تسعير السلع بالدولار؟

قوة العملة لأي دولة تعتمد على حجم الطلب على تلك العملة، وهذا الطلب يأتي نتيجة إقبال الدول الأخرى على شراء منتجات الدولة وخدماتها، وسواء تم التسعير بعملة الدولة ذاتها أو بعملة أخرى، فإن الدول في الأغلب تسعى إلى رفع أحجام صادراتها لتستفيد من العملات الأجنبية التي ستصل إليها. فعندما يقوم الأوروبيون بشراء المنتجات الصينية، على سبيل المثال، فإنهم يقومون بالتخلي عما بحوزتهم من اليورو مقابل السلع الصينية التي يحصلون عليها. وكذلك الحال بالنسبة إلى الدول الأخرى التي تشتري من الصين، سواء أمريكا أو دول الخليج أو اليابان وغيرها.

إذن، لماذا تهتم بعض الدول بتسعير منتجاتها بعملتها الوطنية؟ وما الفائدة من ذلك؟ كثير من الدول لا تهتم في حقيقة الأمر بتسعير منتجاتها بعملتها الوطنية، بل تهتم برفع حجم صادراتها والبيع بأي عملة قوية طالما أن ذلك يؤدي إلى زيادة الموجودات الأجنبية لديها. معظم دول العالم تتنافس في مقدرتها على جلب العملات الأجنبية وليس بالضرورة على استخدام عملاتها الوطنية وسيلة للدفع. وعلى الرغم من ذلك فهناك دول تسعى إلى تقوية مكانتها الاقتصادية من خلال تقوية عملتها الوطنية، وذلك ما هو متحقق تلقائيا للولايات المتحدة منذ عقود عدة. وعلى الرغم من أن كثيرا من السلع التي يتم تداولها في الأسواق العالمية، بما في ذلك البترول، ليست سلعا أمريكية، إلا أنها تسعر بالدولار، وفي ذلك مكاسب كبيرة للولايات المتحدة تحصلت عليها نتيجة اتفاقيات قديمة متعلقة بفك الارتباط بالذهب وقوة الاقتصاد الأمريكي في حينها، فكان لزاما على الدول التي وقعت على اتفاقية "بريتون وودز" الشهيرة القبول بتلك الإجراءات.

لذا فلا يستغرب أن تحاول دولة قوية اقتصاديا كالصين في تقوية نفوذها الاقتصادي من خلال جعل اليوان الصيني عملة دولية ذات نفوذ مالي قوي، وهو ما تسعى إليه الصين منذ أعوام عدة، وبالفعل استطاعت إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول لاستيراد النفط والغاز باليوان بدلا من الدولار. إلا أنه حتى الآن لم يحقق اليوان الصيني أي تأثير حقيقي في مجال عملة الاحتياط، حيث يصل وزنه حاليا، بحسب صندوق النقد الدولي، إلى 2.5 في المائة فقط من حجم عملات الاحتياط، التي يشكل الدولار فيها 55 في المائة، يليه في ذلك اليورو 19 في المائة.

ما تطمح إليه الصين هو أن يتم تسعير سلع عديدة باليوان الصيني، وعلى رأسها النفط، والسبب أن ذلك سيرفع من قوة اليوان كعملة احتياط، ولكن الصين في الوقت نفسه لا ترغب في تحقيق ذلك بسرعة خوفا من ارتفاع سعر صرف اليوان بشكل يؤثر سلبا في صادراتها. لك أن تتخيل حجم الطلب على اليوان فيما لو تم تسعير الذهب باليوان، وهو المعدن الذي يبلغ حجم سوقه نحو عشرة تريليونات دولار سنويا، فكم سيكون حجم الإقبال على اليوان، وكم سيكون سعر صرف اليوان مقابل العملات الأخرى؟ لا يزال سعر صرف اليوان مقابل الدولار محدودا بين ستة وسبعة يوان لكل دولار، وليس في مصلحة الصين أن يكون أقوى من ذلك، بل إن هناك دوما انتقادات موجهة إلى البنك المركزي الصيني نتيجة تدخلاته المستمرة في إضعاف اليوان مقابل الدولار.

من جهة أخرى، فإن تقوية اليوان على حساب الدولار ليست بالضرورة من مصلحة الدول المرتبطة عملتها المحلية بالدولار، كالدول الخليجية ودول أخرى كثيرة، والسبب أن قوة اليوان تعني ضعف الدولار، وبالتالي ضعف تلك العملات المرتبطة بالدولار، لذا فإن موازين العملات الدولية واختلاف قوتها فيما بينها ليست بالمعادلة الهينة، بل إن الصين نفسها ستتضرر من ضعف الدولار أمام اليوان لسببين، الأول: أن صادراتها ستكون عالية الثمن على دول كثيرة مرتبطة بالدولار، ومن جهة أخرى: فإن الصين لديها استثمارات مهولة في الأوراق المالية الأمريكية من أسهم وسندات، وبالتالي فإن ضعف الدولار يعني ضعف عائدات استثماراتها.

من الصعب التنبؤ بالتأثيرات المتعلقة بالتقلبات الاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية التي تحدث بين الحين والآخر، ولكن يبدو أن التطورات الأخيرة نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية من جهة، وتقلبات الاقتصاد الأمريكي من جهة أخرى، قد تحدث تغيرات غير مسبوقة على صعيد عملات الاحتياط في العالم.

 

نقلا عن الاقتصادية