تاريخيا، الصدمات النفطية الكبيرة في كثير من الأحيان سبقت فترات الركود، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة أسعار معظم السلع، بما في ذلك الغذائية، وتكاليف سلاسل التوريد. إذا استمرت أسعار النفط في الارتفاع، فمن المحتمل أن يتضرر الاقتصاد العالمي بشدة. في النهاية سيتراجع الإنفاق بسبب استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، خاصة إذا استمرت الشركات الكبرى في زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية الأخرى. على سبيل المثال، كان ارتفاع أسعار النفط أحد الأسباب الرئيسة لحالات الركود في منتصف سبعينيات، وأوائل ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي. كما ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد قبل الكساد العظيم في 2008. لكن، هذا الانكماش الأخير كان بسبب انفجار فقاعة الرهن العقاري وما تلاها من أزمة مالية عالمية.
مع ارتفاع أسعار خام برنت بشكل مطرد نحو 130 دولارا للبرميل، أثيرت المخاوف من التباطؤ الاقتصادي حتى الانزلاق إلى الركود، التي من المحتمل جدا أن تعززها التحذيرات من مشكلات إمدادات المواد الغذائية، وعلى رأسها الحنطة والذرة، بسبب الأزمة الأوكرانية. يبدو أن كل شيء يسير بشكل خاطئ في الوقت نفسه.
بالفعل، ارتفعت أسعار النفط بمجرد بداية الأزمة، مع تصاعد الصراع وبدء الدول الغربية بفرض عقوبات على روسيا، تزايدت المخاوف بشأن اتخاذ إجراء محتمل ضد صناعة النفط الروسية، التي توفر نحو 7 في المائة من إمدادات النفط الخام العالمية وهي أكبر مصدر للنفط الخام والمنتجات النفطية مجتمعة.
في بداية الأسبوع الماضي، بدأ الحديث حول فرض عقوبات نفطية على الصادرات الروسية، وكانت استجابة السوق ارتفاعا حادا في أسعار النفط، حيث تجاوزت أسعار برنت حاجز 130 دولارا للبرميل وتجاوزت أسعار خام غرب تكساس الوسيط 127 دولارا للبرميل. حتى الآن، لا شيء مفاجئا وهذا رد فعل متوقع. لكن، حسب بيانات عن نشاط شراء صناديق التحوط في عقود النفط، هناك مخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي، على الرغم من أن هذا ليس مفاجئا أيضا، إلا أنه غير مرحب به.
في عموده الأسبوعي حول صناديق التحوط وشراء النفط، قال محلل "رويترز"، إن الصناعة ظلت متفائلة للغاية فيما يتعلق بالنفط، حيث بلغت نسبة مراكز الشراء إلى مراكز البيع 7 إلى 1. تشير هذه النسبة إلى أن صناديق التحوط تتابع الأحداث الجيوسياسية الأخيرة في أوروبا من كثب، لكنها في الوقت نفسه تراقب تراجع الطلب مع استمرار ارتفاع أسعار النفط. في نهاية المطاف ستصل أسعار النفط إلى نقطة معينة عندها يبدأ الطلب على النفط في الانهيار إما من خلال التوفير في استخدام الوقود، أو ببساطة لأن الوقود باهظ الثمن يجعل كل شيء آخر أكثر تكلفة ويثبط الإنفاق.
مثل هذا الاتجاه يأتي في وقت سيئ للغاية بالنسبة لاقتصادات العالم. على الرغم من تراجع الأخبار حول جائحة كورونا بين عشية وضحاها مع بداية الأزمة في أوكرانيا، إلا أن الاقتصادات لا تزال تكافح تبعات الوباء. حيث سجلت الولايات المتحدة، أكبر مستهلك ومنتج للنفط في العالم، معدل تضخم بلغ 7.5 في المائة في كانون الثاني (يناير) - وهو أعلى معدل منذ ما يقرب من 40 عاما - وارتفع هذا التضخم إلى ما يقرب من 8 في المائة في شباط (فبراير).
في غضون ذلك، النفط ليس السلعة الوحيدة الآخذة في الارتفاع. سجلت أسعار القمح ارتفاعا قياسيا وسط الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث إن الدولتين من كبار مصدري القمح. تعرضت روسيا، أكبر مصدر للسلع الأساسية في العالم، لعقوبات شديدة بطرق تجعل من الصعب تصدير شحنات القمح من البلاد. أدت قفزة أسعار القمح بنسبة 50 في المائة منذ بداية الأزمة إلى جعل أسعاره باهظة الثمن. أضف انعدام الأمن الغذائي إلى ارتفاع أسعار النفط، يبدو أن الركود محتمل بشكل متزايد بالنسبة للعديد من الاقتصادات.
ولعل الأسوأ من ذلك حقيقة أنه، وفقا لبعض المحللين، لم تكن هذه نهاية مسيرة أسعار النفط. على سبيل المثال، توقع بنك الاتحاد السويسري UBS، أن يستقر النفط حول 125 دولارا للبرميل. لكن إذا استمرت الأزمة، في هذه الحالة ستستمر الاضطرابات في الإمدادات العالمية، ما يدفع أسعار النفط إلى 150 دولارا للبرميل. وفقا لنائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، إذا فرض الغرب عقوبات على صادرات النفط الروسية، فقد يصل سعر النفط إلى 300 دولار للبرميل، على الرغم من أن هذا السيناريو غير مرجح إلى حد كبير، إلا أنه في الواقع، يبدو أن أسعار النفط أمامها بعض الوقت للارتفاع.
وفقا لمحلل شركة الاستثمار DoubleLine، الطريقة التي تسير بها الأمور الآن تشير إلى أن 200 دولار للبرميل احتمال واضح. وأضاف محلل الشركة أن النفط في طريقه إلى 200 دولار للبرميل، وقد يتعرض الاحتياطي الفيدرالي للضغط لرفع أسعار الفائدة في الوقت الذي تدخل فيه البلاد في حالة ركود، وهو ما لم يحدث من قبل. وقال المحلل أيضا إن الوقت قد حان للاعتراف بأن الولايات المتحدة تتجه نحو الركود التضخمي، وأن الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود لم تكن سوى بداية الألم.
ما يزيد من احتمال خطر الركود التضخمي، بدء البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة، دورة تشديد نقدي لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم. فرفع أسعار الفائدة يمكن أن يهدد النمو الاقتصادي الهش في فترة التعافي ما بعد الركود الذي شهده الاقتصاد في فترة وباء كورونا. بالفعل، يمثل التضخم المصحوب بالركود تحديا كبيرا بالنسبة إلى واضعي السياسات، الذين لديهم القليل من الخيارات الجيدة لكبح جماح الأسعار من دون الإضرار بالاقتصاد.
من جهة أخرى، يشير آخرون إلى أن النسبة المئوية للدخل المتاح الذي ينفقه المستهلكون على الطاقة هي الآن أقل. لذا فإن مستوى أسعار النفط الذي يبدأ بالضغط على الاقتصاد العالمي أعلى الآن. يجب أيضا الأخذ في الحسبان أن أسعار الطاقة، عند تعديلها وفقا للتضخم، ليست مرتفعة الآن كما كانت خلال صدمات النفط السابقة. حيث، لم يتجاوز السعر الحقيقي للنفط ذروة أواخر السبعينيات أو 2008، والاقتصادات الآن أقل كثافة في استخدام الطاقة. منذ بداية الأزمة الأوكرانية ارتفعت أسعار النفط بين 20 و25 في المائة. لكن حسب بعض التوقعات، يجب أن ترتفع الأسعار بنسبة 50 في المائة عن مستويات ما قبل الأزمة لتؤدي إلى تراجع كبير في النمو الاقتصادي. ويعني ذلك أن أسعار خام غرب تكساس الوسيط يجب أن تزيد على 135 دولارا للبرميل، وأسعار خام برنت على 145 دولارا للبرميل. كما ستحتاج الأسعار إلى البقاء هناك لفترة طويلة - ربما طوال بقية العام - لإحداث تأثير كبير في الاقتصاد العالمي.
لكن في ظل المخاوف من الركود التضخمي، تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأوروبي يتجه نحو الأسوأ، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على روسيا، والقرار الأمريكي الأخير بحظر النفط الروسي.
نقلا عن الاقتصادية
ببساطة التضخم في أمريكا والذي كان يمثل مشكلة كبيرة للإقتصاد الامريكي تم تصديره لباقي أجزاء العالم عبر مشكلة الحرب في أوكرانيا وذلك باسلوب السياسة الامريكية التي لا تعترف بالخطأ أبداً وتعتقد ان العالم لابد ان يتحمل جزء من سياستها الفاشلة