الأسعار وتأثير الهلع والتزاحم

21/02/2022 0
د.صالح السلطان

يعرف الإخوة القراء أن العالم يواجه ارتفاع معدلات التضخم ارتفاعا شديدا، وتبعا يواجه العالم أخطارا من هذا الارتفاع. ومعروف أنه كان لكارثة كورونا دور فعال في هذا الارتفاع بصورة مباشرة وغير مباشرة. على سبيل المثال، جرت الكارثة وتبعاتها إلى اضطرابات في الإمدادات وسلاسل التوريد، ما أسهم في زيادة تكاليف توفير السلع.

صدرت تصريحات مسؤولين وخبراء وغيرهم في الدول بخطورة استمرار الوضع. ومن كبرى المشكلات اختلاف العقول في فهم التفاصيل، فتفسيرها. وهذا أمر غير جديد. ونجد في طبيعة الهلع وطبيعة التزاحم في البشر بما يساعدنا على فهم المشكلة. في أوجه الخلافات في فهم التفاصيل، يرى بعض كبار الاقتصاديين أن ما نشهده من تضخم هو مشكلة إنفاق يفوق الإنتاج، أي أن الطلب تجاوز العرض، ولهؤلاء أدلتهم المؤيدة لوجهات نظرهم.

لا يقتنع آخرون بهذا الرأي. ولهم أدلتهم، على رأس أدلتهم أن حجم الاقتصاد مقوم بالأسعار الثابتة، أي باستبعاد أثر التضخم، ما زال دون التعافي المطلوب. أي أنه أصغر من حجمه في 2019. ويرون ما يقال عن نمو مرتفع وخفض في أسعار الفائدة، بأنه تهويل أكثر من أنه حقيقة. والنتيجة أنهم يرون أن التضخم الحالي ليس متعلقا بالاقتصاد الكلي، ويتحدثون عن عوامل من قبيل المضاربة بالسلع، واستغلال الأوضاع بما يتيح رفع الأسعار.

من نتائج الخلاف في فهم الصورة، الخلاف في فعالية ونجاح الحلول المطروحة للتخفيف من مشكلة التضخم. على سبيل المثال، فريق عوامل المضاربة في أمريكا يطرحون حلولا مؤداها الدفع تجاه تقليص نشاط المضاربة عن طريق زيادة متطلبات الهامش، التي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سلطة عليها، كما يطرحون فكرة البيع من احتياطي البترول الاستراتيجي، وهو ما يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تعمل عليه. من قضايا الخلاف بين الفريقين فريق يضع اعتبارا قويا للتفسير بالاقتصاد الكلي، وفريق يركز على أمور مثل المضاربة، موضوع ارتفاع الأجور. الفريق الأول يرى أن زيادة الأجور هي سبب رئيس لارتفاع الأسعار، خاصة السلع الاستهلاكية. لكن الفريق الثاني غير مقتنعين بمدى قوة تأثير هذا العامل، يستدلون على رأيهم بأمور، مثل كون الأسعار قد ارتفعت بصورة أعلى من ارتفاع الأجور.

من مصادر الخلافات السابقة موضوع العلاقة بين العرض النقدي والتضخم، أو ما قد يعبر عنه تقنيا بالنظرية الكمية للنقود. هذه النظرية تفيد أن القيمة التبادلية للنقود يتم تحديدها مثل أي سلعة عبر عاملي الطلب والعرض، فالتضخم قد يحدث في حال نمو المعروض النقدي بوتيرة تتجاوز معدل صعود الإنتاج. وهناك اقتصاديون يركزون على أهمية أو قوة هذه العلاقة، وهناك من يخالفونهم الرأي في مستوى الأهمية والقوة. وبدلا، فإن المخالفين يركزون على عوامل من قبيل ارتفاع الطلب وزيادة التكاليف، لكن التدقيق في الأمر يوصل إلى وجود علاقة بقدر ما بين بعض هذه العوامل ونظرية كمية النقود. مثلا، صعب تصور زيادة الطلب دون زيادة النقود بيد الناس، بغض النظر عن سبب زيادتها. أما زيادة التكاليف، فلها ألف سبب وسبب، من هذه الأسباب حصول تغيرات مؤثرة بيئية أو تنظيمات حكومية أو خلافات وتداخلات بين الدول وغيرها من الأسباب.

ما دور الهلع؟

من أسباب ارتفاع معدلات التضخم حصول ظروف تصنع هلعا بين كثيرين في نظرهم لحالة سلعة أو سلع، مثلا مدى توافرها. وهذا محفز لزيادة الطلب بصورة غير عادية بما يضغط على الأسعار ارتفاعا. والهلع نوع قلق له علاقة بالضجر والذعر والخوف. يقول سبحانه «إِن الإنسان خلق هلوعا»، واستثنى - سبحانه - فئات من البشر.

ما دور التزاحم بعد جمود أو انتظار؟

الانتظار الطويل يحصل معه تراكم في الطلب غير معتاد للحصول على السلعة. يحصل ذلك تحت ظروف وحالات. وفتح الباب بعد انتظار يجر إلى تزاحم، فاندفاع في الطلب على السلعة، فتضخم الأسعار. وهذا في الغالب يفتح الباب للبائعين في ترحيل الجزء الأكبر من تضخم الأسعار إلى المشترين.

الوضع السابق وبصفة أعم عند وجود خلل واضح، يتطلب في حالات تدخلا، هذا التدخل الحكومي، خاصة في تسعير سلع أساسية في غير حالات الفشل السوقي يتطلب جهازا حكوميا كبيرا وعالي النزاهة والمهارة في فهم السوق. ذلك أن التجارب العالمية دلت من جهة على ضعف بعض الموظفين العامين في فهم جيد لسوق سلع بعينها، بما تسبب في تضرر بعض البائعين والأنشطة من عيوب في صياغة تنظيمات وعلى سوء تطبيق، كما دلت من جهة أخرى على ممارسات فاسدة كاستخدام بعض البائعين مناورات بهدف إضعاف نسبي في فاعلية الرقابة.

وأخيرا يخلط بعض الناس بين التضخم والجشع، الجشع ليس بجديد، بل يجري في ابن آدم مجرى الدم، والممارسات الجشعة موجودة باستمرار. أما التضخم أو الغلاء، فليس موجودا باستمرار. وقد يجتمع "التضخم والجشع" وقد لا يجتمعان، الأمر يحتاج إلى بحث وتقص نزيه حيادي. ولعل هذا ما يفسر امتناع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التسعير لمجرد ارتفاع الأسعار.

 

نقلا عن الاقتصادية