هناك تطورات متسارعة تشهدها بنية الأسواق المالية في المملكة منذ انطلاق "تداول" عام 2001 وإنشاء هيئة السوق المالية عام 2003، وآخر تلك التطورات عزم الهيئة فتح باب المنافسة في جميع مكونات السوق المالية، من التداول إلى المقاصة إلى الإيداع. ما دور مكونات السوق المالية هذه؟ وكيف ستتغير السوق المالية تبعا لهذه الآلية الجديدة التي من خلالها سيتم الترخيص لشركات جديدة تقدم خدمات متعددة وتنافس الشركات القائمة حاليا، مثل شركة تداول والشركات التابعة لها؟.
أصدرت هيئة السوق المالية قبل أسبوعين مشروع لائحة جديدة معنية بإدارة الأسواق والمقاصة والإيداع، وذلك نتيجة تعديلات تمت سابقا في نظام السوق المالية أعطت الهيئة صلاحية وضع الضوابط والأحكام المنظمة لذلك. هذا يعني أن أي جهة مختصة ومهتمة بممارسة أعمال متعلقة بالسوق المالية، سواء أكانت جهات من داخل المملكة أم خارجها، قريبا سيكون بإمكانها التقدم إلى الهيئة لطلب ترخيص مزاولة تلك الأعمال.
في جميع الأسواق المالية هناك عدة مسؤوليات تقوم بها أطراف داخل السوق وتشمل التسجيل في المنظومة، وتتم هنا في المملكة من خلال وسطاء السوق بفتح حسابات استثمارية، ومن ثم يأتي دور التداول الذي من خلاله تتم الصفقات بين البائعين والمشترين، ثم يأتي دور المقاصة لنقل الأموال والأوراق المالية من حساب لآخر، وأخيرا تأتي مرحلة التسوية من خلال مركز الإيداع الذي من خلاله يتم ضبط السجلات والملكيات والتغيرات التي تطرأ على رؤوس أموال الشركات المدرجة، وغير ذلك من أمور محاسبية دقيقة.
مهمة المقاصة دقيقة وحساسة وهي التي تجعل منظومة التداول تعمل بشكل سلس دون أي مخاطر مالية على المتعاملين، كون دورها يأتي في ضمان سلامة العملية بين المشتري والبائع من حيث وجود المال لدى المشتري ووجود الأوراق المالية لدى البائع.
المشكلة التي تحلها عملية المقاصة هي أن هناك مشتريا مرتبطا بأحد الوسطاء يقوم بالشراء من بائع مرتبط بوسيط آخر، فتنشأ عن ذلك عدة تحديات. أولا يجب أن يكون هناك ضمان بأن الوسيط الذي تتم من خلاله العملية بالفعل لديه المبلغ اللازم لسداد قيمة الشراء، الأمر الذي قد يحدث إما عن طريق الخطأ وإما نتيجة سوء تصرف من قبل الوسيط. وفي المقابل يجب أن تكون هناك آلية للتأكد من وجود الأوراق المالية لدى البائع بشكل كامل ودون أي قيود، ومثل هذه التحديات تزداد حدتها واحتمالية الوقوع فيها عندما تكبر السوق وتتعدد أطرافها وتتنوع. لذا فالمقاصة تزيل مسؤولية التحقق من صحة العملية المالية عن المتعاملين في كونها تضمن صحة العملية وتتحمل مسؤولية أي إخفاقات قد تحدث، ومقابل ذلك تستقطع رسوما مالية من الأطراف التي تعتمد عليها.
الدور الآخر المهم للمقاصة هي أنها تختصر حجم التحويلات المالية التي تتم بين الأعضاء، وذلك نتيجة توافر معلومات كافية لدى شركة المقاصة عن أرصدة جميع الأعضاء المرتبطين بها، وبنهاية كل يوم تستطيع معرفة صافي حساب كل طرف نتيجة ما له وما عليه من أموال مقابل العمليات التي تمت من خلاله.
تنتهي العملية المالية عندما تكون هناك تسوية نهائية من خلال مركز الإيداع الذي يعمل بأسلوب الاستلام مقابل الدفع وهو مبدأ مهم جدا لسلامة المنظومة المالية، حيث لا يمكن نقل ملكية ورقة مالية دون الحصول على تأكيد أن مبلغ الشراء قد تم إيداعه في حساب البائع. وتزداد صعوبة هذه العمليات إذا علمنا أن التسوية النقدية تتم من خلال البنك المركزي بينما تسوية الأوراق المالية تتم من خلال مركز الإيداع، ما يعني ضرورة ترابط هذه الأطراف تقنيا ورفع مستوى التنسيق فيما بينها.
هذه مجرد مقدمة سريعة لآلية العمل داخل السوق المالية، وعليك الآن أن تتخيل حجم التحديات الواجب التغلب عليها عندما يسمح لأكثر من جهة بفتح مراكز مقاصة ومراكز إيداع وأسواق مالية أخرى غير "تداول" وشركاتها.
هل من خطر على مجموعة تداول من دخول منافسين جدد إلى السوق السعودية؟
من المهم أولا إدراك أن "تداول" ليس لديها احتكار للسوق المالية، فهي شركة مالية تدير سوق الأسهم السعودية ومن الممكن والوارد أن تدخل أطراف أخرى منافسة لـ "تداول" في تقديم الخدمة أو أجزاء منها، مثل بعض البورصات الدولية أو الإقليمية أو الخليجية. لكن يبدو أن "تداول" مستعدة لهذا التنافس عطفا على ما قامت به في الأعوام الماضية من تطوير وتمترس، إن صح التعبير. فشركة تداول تمتلك شركة مختصة بالمقاصة لديها خبرة طويلة في هذا المجال ورثتها عن مركز إيداع والبنوك في وقت سابق، ولديها كذلك شركة مركز إيداع بخبرتها الطويلة في السجلات المالية والتسويات، إلى جانب شركة جديدة مختصة بالتقنيات المالية والفرص الجديدة والابتكار، وهي شركة وامض.
الحقيقة أن تجربة السوق المالية في دبي مع شركة ناسداك دبي تشير إلى أن التنافس من أجل الحصول على كعكة السوق المحلية ليس بالأمر الهين، حيث لم تنجح "ناسداك دبي" كما كان متوقعا لها، وهي الشركة العالمية الرائدة في مجال الأسواق المالية. فعند إنشاء "ناسداك دبي" قبل نحو 15 عاما، كانت التوقعات أن هناك فرصة كبيرة للشركات الأجنبية في التسجيل المباشر أو المزدوج في دبي والوصول المباشر إلى المستثمرين في المنطقة للاكتتاب ورفع رؤوس الأموال، إلا أن ذلك لم يتحقق. حاليا "ناسداك دبي" مملوكة لسوق دبي المالي وهي ناجحة في جزئية الصكوك والسندات وليس الأسهم.
النقطة الأخرى التي في مصلحة "تداول" أن الانفتاح للمستثمرين الأجانب الذي تم خلال الأعوام الماضية إلى جانب سماح "تداول" للشركات الأجنبية بالإدراج المباشر أو المزدوج في المملكة عن طريق "تداول"، من شأنه أن يقلل فرص دخول منافسين جدد لهذا الغرض. كذلك إن وجود السوق الموازية "نمو" هو الآخر قد يضعف الميزات التنافسية لأي لاعبين جدد. على سبيل المثال، كانت "ناسداك دبي" تميز نفسها بشروط إدراج سهلة ومرنة لاستقطاب كل أنواع الشركات، مثل وضع حد أدنى 25 في المائة كنسبة طرح، وتقليص فترات الحظر على المؤسسين، وقيمة سوقية بحد أدنى عشرة ملايين دولار، وغيرها، إلا أن هذه المحفزات ليست كافية على ما يبدو لاستقطاب الشركات التي عادة يهمها في المقام الأول مستوى السيولة وسلامة المنظومة وقوتها.
لدى هيئة السوق المالية مشروع مطروح لآراء العموم حول لائحة أسواق ومراكز إيداع الأوراق المالية الذي من خلاله تهدف الهيئة إلى تطوير الإطار التنظيمي للترخيص والإشراف والرقابة على أسواق ومراكز إيداع الأوراق المالية، بهدف تطوير السوق المالية وتعزيز ثقة المتعاملين بها.
نقلا عن الاقتصادية