تشير دراسات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية إلى ضرورة التخلي عن استخدام الطاقة الأحفورية بحلول منتصف القرن الحالي. قد لا يكون الهدف قابلاً للتنفيذ عملياً؛ إلا أنه يشكل خطراً محدقاً بصناعة النفط. أشارت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها المعنون بـ «صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050»، إنه لا ينبغي للمستثمرين تمويل مشاريع إمدادات النفط والغاز والفحم الجديدة بعد هذا العام، وهو أمر قد يربك الاستثمارات الموجهة لقطاع إنتاج الطاقة الأحفورية، ويعزز من استثمارات الطاقة البديلة. ويبقى السؤال الأهم وهو إمكانية تلبية الطاقة النظيفة لحجم الطلب الحالي، ونموها المستقبلي؟!.
دول عدة أعلنت التزامها بالوصول للحياد الصفري المناخي، خلال الفترة المحددة. ففي المملكة، أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استهداف الوصول إلى الحياد الصفري في 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون. خطوة جريئة تواجه بها المملكة العالم، وملف التغير المناخي الذي ربما تحول إلى أكثر الملفات خطورة على الدول المنتجة مستقبلاً، ما لم يتم التعامل معه بذكاء واحترافية تحد من تداعياته المتوقعة. فبالرغم من أهمية الحفاظ على البيئة والحد من الانبعاثات الضارة، إلا أن ملف التغير المناخي لا يخلو من النوايا السيئة والأهداف الانتهازية التي ستتحول إلى سيف مسلط على رقاب المنتجين. كما أنه لا يخلو أيضًا من التخبط، والتناقض الفاضح. ففي الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة لتحقيق متطلبات الحد من انبعاثات الكربون، وتعادي الدول المنتجة، فإنها لا تتورع عن مطالبتها بزيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار، والتخفيف على المستهلكين الأميركيين. تناقض لا يمكن القبول به، فزيادة الإنتاج تخضع لمعايير ومتطلبات صارمة تضمن تحقيق التوازن الأمثل، كما أنه يحتاج إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع الإنتاج، وهي استثمارات تحتاج إلى استدامة الطلب بعيدًا عن الأنظمة التحيزية ضد النفط، والتي تقودها الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة.
تحديات الطاقة التي بدأت في الظهور مؤخرًا غير مرتبطة بارتفاع الأسعار فحسب، بل وبالنقص الحاد في إنتاج الكهرباء في بعض الدول الصناعية، ونقص المشتقات النفطية وجميعها مرتبطة بممارسات الدول المستهلكة، في الجوانب الضريبية والإنتاجية والتكريرية، لا الدول المنتجة.
التحول غير المدروس للطاقة النظيفة، قبل جاهزيتها وكفاءتها وكفايتها، والتحيز ضد الطاقة الإحفورية وسن التشريعات المؤثرة سلبًا عليها، من الأسباب الظاهرة لأزمة الطاقة، والتي يرفض الغرب الاعتراف بها. ففي قمة المناخ التي عُقدت في غلاسكو، أعلن عن خفض انبعاثات الميثان والتخلي التدريجي عن الفحم، إضافة إلى تحالف 25 دولة لوضع قيود على تمويل مشاريع الطاقة الأحفورية غير المزودة بتقنيات احتجاز الكربون. الحد من تمويل استثمارات الطاقة الأحفورية سيتسبب في مشكلات مستقبلية، خاصة إذا ما حجب التمويل عن جميع المشروعات دون تمييز. كما أن التخلي عن الفحم كمصدر من مصادر الطاقة لن يتوقف أثره على زيادة الطلب على النفط بحجم يفوق القدرات المتاحة لزيادة الإنتاج، بل سيطال اقتصادات الدول الصناعية كالصين ما يعني حدوث خلل في الإنتاج لتوقف المصانع، وبالتالي شح المعروض السلعي ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي، وسلاسل الإنتاج والتوريد عمومًا. وإذا ما تزامن خفض تمويل مشروعات الطاقة الأحفورية، مع خفض استثمارات الدول المنتجة في قطاع الإنتاج، وتوجيهها للطاقة البديلة، لتحقيق متطلبات التحول من جهة، وحماية استثماراتها من مخاطر التشريعات المستقبلية، من جهة أخرى، فستكون التداعيات أشد على العالم أجمع.
كل ما أخشاه أن تفتعل بعض دول الغرب، وفي مقدمها الولايات المتحدة، أزمة الطاقة من أجل تحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة كل البعد عن شؤون الطاقة، ما ينعكس سلبًا على منظمة أوبك+، والدول المنتجة وفي مقدمها السعودية. فبالرغم مما تفعله المملكة لضمان إمدادات الطاقة من خلال تدفقاتها الاستثمارية الضخمة في قطاع الإنتاج، وجهودها المتميزة لتحقيق توازن السوق، ومصلحة المنتجين والمستهلكين بعدالة، وانقاذها الصناعة النفطية من الأزمات، إلا أنها تبقى متهمة في نظر الغرب عمومًا، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، الباحثين عن شماعة يعلقون عليها أخطائهم الإستراتيجية، وجشعهم وانتهازيتهم المقيتة.
نقلا عن الجزيرة