أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استهداف المملكة للوصول إلى الحياد الصفري في 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وهي خطوة تاريخية ستسهم في خفض ما يقرب من 278 مليون طن انبعاثات سنوياً بحلول 2030، ما يوازي ضعف المستهدفات المعلنة.
خفض الانبعاثات الضارة وحماية البيئة من أهداف المملكة الرئيسة التي تعمل على تحقيقها من خلال مبادرات خضراء عملية، وهي مبادرات تكاملية معززة لبعضها البعض، وتشكل فيما بينها منظومة بيئية متكاملة.
إطلاق سمو ولي العهد للمنتدى السنوي لمبادرة السعودية الخضراء في الرياض، هو جانب مهم من مبادرات المملكة النوعية لمعالجة الملف البيئي. خلق منصة عالمية تُعنى بإطلاق المبادرات البيئية الجديدة ومتابعة أثر المبادرات التي أعلن عنها سابقا، وبما يحقق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء من الخطوات العملية التي يطرحها ولي العهد تباعا، لتتحول إلى مبادرات عالمية تحظى بالدعم الدولي المحقق لأهدافها المباركة.
البدء في تنفيذ مبادرات التشجير بزراعة أكثر من 450 مليون شجرة، وإعادة تأهيل ثمانية ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة، وتخصيص أراض محمية جديدة، سيرفع حجم إجمالي المناطق المحمية في المملكة إلى أكثر من 20 في المائة من مساحتها الإجمالية، وسينعكس إيجابا على المعالجة الطبيعية لجانب مهم من انبعاثات الكربون.
تنمية الاقتصاد الأخضر من الأهداف الرئيسة للمملكة، ولعلي أشير إلى ما تتضمنه حزمة المبادرات الأولى من استثمارات مالية تزيد قيمتها على700 مليار ريال، ما يعني التوسع في الاستثمارات على جانبين رئيسين الأول في تعزيز مصادر الطاقة وبما يضمن استدامة الإمدادات واستقرار الأسواق، والثاني تنمية الاقتصاد الأخضر المعزز لحماية البيئة وصحة الإنسان، وللجهود الموجهة لتحقيق الحياد الكربوني على المدى البعيد.
الأكيد أن هناك توجهاً عالمياً للحد من انبعاثات الكربون، والتي تسببت بها الثورة الصناعية، غير أن بعض السياسات الموجهه لحماية البيئة، لا تخلو من التحيز ضد النفط، وكأنها موجهة للدول المنتجة، لا لحماية البيئة.
رب ضارة نافعة، فتحيز الغرب ضد الطاقة الكربوهدراتية، واستهدافها منتجي النفط بسياسات وبرامج في خارجها حماية البيئة، وفي داخلها استخدام التحديات البيئية كورقة ضغط على الدول المستهدفة، حفز المملكة لتسريع إنجاز برامجها البيئية وتنويع مصادر الطاقة التي تضمنتها رؤية 2030، والدخول في منتجات جديدة متوافقة مع المتطلبات البيئية، كالطاقة الشمسية، الرياح، والهيدروجين الأخضر، والتوسع في زراعة الأشجار، وخلق محميات بيئية ومعالجة التصحر وإنشاء مدن صديقة للبيئة.
الوصول إلى مرحلة الحياد الكربوني ليس بالأمر السهل، بل إن الدول الغربية لم تستطع حتى الآن وضع خارطة طريق عملية لتحقيق ذلك الهدف، وربما تعاملت مع الملف من جانبين سياسي وإعلامي أكثر من الجانب البيئي الذي يفترض أن يكون المحرك الرئيس. وهذا عكس ما تقوم به المملكة حاليا، من تعامل محترف مع متطلبات الحياد الكربوني من خلال برامج ومبادرات تشكل منظومة متكاملة لتحقيق ذلك الهدف، وفق رؤية واضحة ومدة زمنية معروفة.
ففي الوقت الذي تمضي فيه المملكة في تنفيذ برامجها البيئية، والتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة، نجد أن هناك انتكاسة في تحقيق الأهداف البيئية الصارمة لدى الدول الصناعية بعد العجز المفاجئ في إمدادات الكهرباء، وبعض مشتقات الطاقة ما دفعهم للجوء إلى المحطات العاملة بالفحم والنفط والتي أُغلِقَت من قبل.
هل يعني ذلك استحالة استبدال النفط بمصادر أخرى للطاقة؟!. أؤمن ببقاء النفط كمصدر رئيس للطاقة رغم أهمية مصادر البديلة الأخرى، خاصة مع تنامي الطلب العالمي على الطاقة وهو أمر لا يمكن تحقيقه بمعزل عن النفط، الذي سيظل المساهم الأكبر والأقوى والأكثر موثوقية في مزيج الطاقة العالمي.
مبادرة السعودية الخضراء والحياد الكربوني سيحفزان المملكة لمواصلة جهودها لتبقى مصدراً موثوقاً به لكل أنواع الطاقة، والتوسع في الاقتصاد الأخضر وبما ينعكس إيجابا على قدراتها التصديرية لأنواع الطاقة، وتحقيق المتطلبات الدولية ذات العلاقة بالتغير المناخي.
نقلا عن الجزيرة