بدأت تعلو أصوات كبار المسؤولين في شركات الطاقة العالمية للآثار السلبية المترتبة على الدعوات لتقليص الاستثمارات البترولية في توازن العرض والطلب في الأسواق العالمية. كان قد بادر وزراء الطاقة والنفط في السعودية والإمارات وسلطنة عمان خلال الصيف الماضي، إثر صدور تقرير وكالة الطاقة الدولية حول خطة الطريق لتحقيق «صفر انبعاثات» بحلول عام 2050 التي تشمل الدعوة لتقليص الاستثمارات البترولية، بانتقاد وإبداء الملاحظات حول خطورة دعوة الوكالة هذه وإلى الأهداف الطموحة للوكالة التي ستؤدي إلى الإخلال باستقرار الأسواق.
أخذت تتزايد الآن الانتقادات العلنية لمؤسسات وشركات طاقوية، حول الآثار السلبية المترتبة على دعوات تقليص الاستثمار في الصناعة البترولية النظيفة (الخالية من الانبعاثات الكربونية) على أسواق الطاقة الحالية والمستقبلية.
تأتي هذه الانتقادات في الوقت الذي عاد وارتفع الطلب على النفط إلى نحو 90 مليون برميل يومياً، ما يعني العودة قريباً إلى معدل الطلب إلى ما قبل الجائحة. وهناك أيضاً الارتفاع المستمر لأسعار النفط التي تجاوزت 80 دولاراً للبرميل. ولربما الأهم من هذا وذاك السعر القياسي، بل الارتفاع الفلكي لأسعار الغاز الطبيعي التي سجلت نحو 40 دولاراً لمليون وحدة حرارية بريطانية مؤخراً، مقارنة بنحو 5 إلى 18 دولاراً قبل أسابيع محدودة (تختلف الأسعار حسب أسواق أوروبا أو آسيا)، بالإضافة إلى الشح بإمدادات الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية.
صرح لورينزو سيمنولي، رئيس شركة «بيكر هيوز» الأميركية لتقنيات الطاقة، في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي لشبكة الأخبار التلفزيونية «سي إن بي سي»، بأن الوقود الأحفوري «هنا ليبقى» (يقصد النفط والغاز النظيف الخالي من الانبعاثات).
تكمن أسباب ضرورة استعمال الوقود الأحفوري مستقبلاً، بحسب سيمنولي، رئيس واحدة من أهم شركات تقنيات الطاقة عالمياً، في «أهمية الوقود الأحفوري للأمن الوطني للدول المنتجة... وأن تسريع وتكثيف عملية التخلص من الانبعاثات الكربونية عملية تتطلب الكثير من التقنية والتعاون المشترك، منها الاستفادة القصوى من المنشآت والبنى التحتية المتوفرة حالياً للصناعة الهيدروكربونية».
وصرّح رئيس الشركة الفرنسية «توتال إينرجيز»، باتريك بوانيه، بأن العالم لم يستوعب بعد المسؤوليات المترتبة لتحول الطاقة، بالذات مع زيادة الطلب على النفط إلى نحو 90 مليون برميل يومياً. وأضاف رئيس «توتال إينرجيز» التي غيّرت اسمها من «توتال» بعد ولوجها عالم الطاقات المستدامة، في كلمة له في ندوة «إينرجي انتيلجنس فورم» عبر البث الإلكتروني، أنه إذا استمرت الدعوات لإيقاف الاستثمارات في تطوير صناعة النفط والغاز، فإن الأسعار «سترتفع إلى السقف» وستصبح «مشكلة كبرى حتى للدول الصناعية».
وأضاف بوانيه: «لقد أدت الدعوات لتقليص الاستثمارات في القطاع البترولي إلى زيادات الأسعار الأخيرة». وشرح كيف أن شركته استطاعت باتفاقها مؤخراً لاستثمار 27 مليار دولار في قطاعي الإنتاج الهيدروكربوني والطاقة الشمسية في العراق تبني سياسة متوازنة للطاقة في دولة منتجة للنفط، تخدم فيها الاحتياجات الداخلية للبلاد، بالإضافة إلى التصدير للأسواق العالمية. في الوقت نفسه، أشار إلى أن الانخفاض الطبيعي بنحو 4 - 5 في المائة سنوياً للحقول البترولية المنتجة، يعني أن هذا يتطلب في الوقت نفسه استثمارات جديدة لتحسين إنتاجية الحقول و/أو اكتشاف حقول جديدة لتعويض ما يتم إنتاجه في ظل الازدياد المرتفع في الطلب.ةإن كلام رئيس «توتال إينرجيز» واضح: سيصل العالم في المستقبل المنظور إلى وضع حيث معدلات الاستهلاك تزداد بنسب عالية سنوياً، بينما الاحتياطيات البترولية في تناقص (في حال توقف الاستثمارات). هذا معناه أن الأسعار سترتفع إلى مستويات قياسية. اختتم بوانيه كلمته بقوله: «إن الرأي العام والعالم لا يدري ما معنى تحويل نظام الطاقة العالمي، الذي يعتمد حالياً على 80 في المائة منه على الوقود الأحفوري والكربون، إلى نظام من دون كربون. إنها مهمة لا تصدق. نحن لدينا الصبر الكافي لإدارة الصناعة والتحول. لكن طبعاً، هذا سيتطلب تكاليف باهظة واستثمارات». وأضاف: «لن يكون هذا التحول ممكناً دون قبول الثمن الباهظ للكلفة المترتبة عليه. يجب أن نعترف ونقبل بالاستثمارات الضخمة الضرورية لتقليص انبعاثات الكربون».
وأدلى رئيس شركة «شل»، بن فن بردن، بدلوه في هذا الموقف العلني لواحدة من كبرى شركات الطاقة العالمية. وذكر في كلمته أن «شل» تنوي الاستمرار في الاستثمار بالنفط والغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، ومشروعها العملاق لإنتاج الغاز المسال العملاق في كندا سيستمر بعد عام 2050 للتصدير إلى الأسواق الآسيوية خلال النصف الثاني من هذا القرن. وأضاف أن الكلام عن إيقاف الاستثمار في الصناعة البترولية الخالية من الانبعاثات كلام «سخيف»، إذ لا يوجد «شرعاً» ما يمنع عدم إنتاج النفط والغاز ضمن نظام الطاقة العالمي، بحسب نشرة «بلاتس أويل غرام» اليومية.
نقلا عن الشرق الأوسط