مرّ على جزيرة العرب عامة، ومنطقة نجد خاصة، سنوات عجاف فيها فقر وصفه لي قديمًا مُسنٌ من نجد بأنه (فقر دقّاق أدق من عجاج الجن وغبار الجنط!) كما قال وهو يحمد الله ويدعو للملك عبدالعزيز آل سعود بالرحمة والغفران فقد أنقذ الله به البلاد والعباد من شرور وبيلة ومن الفقر والجوع والخوف والشتات، قال بلهجته المخلوطة بين شعبي وفصيح: عاش كثير من العائلات في نجد خاصة قبل توحيد المملكة في دهور وفقور، يورخون بسنوات القحط والمرض، ويتغرب الرجل عن زوجته وعياله وأهله وديرته بحثًا عن رزق قليل «قوت لا يموت» والمتغرب لا ينسى نصيبه من الذل كما قال.. وأضاف: واحد من الجماعة سافر للعراق وهو شاب ما يعرف إلا العمل بيديه، ما يقرأ ولا يكتب ولا يعرف شي، وكدّ وكابد الجوع والتعب في ديرة تجري فيها الأنهار والأرزاق لكنه مسكين ما يعرف أي شغلة غير التحميل على ظهره، يأكل الخبز اليابس يغطه في الماء، يوم جمع شوي قروش كانت نفسه تفاوق على بعض الدسم من كثر الحفاف والجفاف، راح مع الصباح لمطعم شعبي فطوره قطع من رأس خروف وكرشة ومصران وكان يرى الناس يفطرون فيه ويسيل لعابه عليه لكن العين بصيرة واليد قصيرة، يوم صار في يده قريش راح للمطعم (اللي يحلّم به) جلس على كريسي وهو غريب أديب رث الثياب أشعث ثاير الراس، وطلب (الباجة) وجاء بها الخادم الضخم وهو يتأفف، أكل وهو يحس أنها بلا ملح ولا يسطي ينبس، من الجوع يأكل كأنه وحش، ودخل عراقي طويل مهيب وطلب مثله، ما في المطعم أصلًا غير ها الطلب، ومن ذاق المصران عبس وقطب وصرخ ينادي الخادم ثم «ضربه كفّ واسى وجهه» وهو يقول بصوت كالرعد (ليه يابن الك.. ما فيه ملح) فاستدار الخادم وداخ من قوة الصفعة والتفت إلى رفيقنا المسيكين وصفعه بقوة وقال (ليش ما علّمتنا أنه ما فيه ملح)! نكد عليه حياته وسَمّ بدنه.
كانت حالة نجد في أكثرها حالة قبلما يجي الملك عبدالعزيز الله يجزاه عنا كل خير، كانوا في فقر معه جوع وخوف وجهل وحنشل وأمراض وطواعين، مع طيبة في أكثرهم وشهامة وشجاعة ودين، وكرم رغم الفقر يكافحون ويتغربون تاركين عيالهم، فيهم من يحمّل ومن يحفر ومن يغوص ومن يموت ومن يرجع وهو ناقص يد أو رجل أكلها (الشاذوب) وهو يتعلم الغوص في مياه الخليج..
ورفع الراوي المسن رأسه ويديه للسماء وقال: يا الله لا تسلّط علينا نحن في نعمة نحسد عليها.. اللهم لك الحمد والشكر.. بعد ما كنا نتغرب صار أهل الأرض كلهم يتمنون العمل عندنا.. والقادم أفضل بإذن الله..
نقلا عن الرياض
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
الحمدُ لله والشكر دائماً وأبداً في جميع الأحوال... قديماً، كان أهلُ نجد يطلقون على الجوع صفة (أبو موسى)!!!.. فيقولون: ذهبت إلى عبدالله ووجدته مع أبو موسى !!!
هههههههه تحفه قصة العراقي
هذه سنة الله ومقاديره وليس من ذكرتهم أكرم على الله من محمد صلاوات الله وسلامه عليه وصفوة صحابته الكرام رضي الله عنهم عندما ربطوا الأحجار على بطونهم من شدة الجوع .وعمر رضي الله عنه رفع حد السرقة عن إمته بعام الرمادة وهو حد من حدود الله من كثرة هول وانتشارالموت من الجوع؟ كانوا أهل العراق يقولون كيف نجوع ونحن أرض الثمرات ونهرالفرات؟!حال لسان ذلك المنتفخ المهيب المتعالي الذي ضرب الخادم والخادم ضرب النجدي الفقير؟! وتلك الأيام نداولها بين الناس؟!الشكرمن دوام النعم ولكفربها هوأول أسباب زوالها...وكأني أرى ذلك لآن بعيني وأتوقع نتيجته مستقبلاً؟تحياتي استاذ عبدالله