الشكوى من السكن قديمًا

16/07/2021 2
عبدالله الجعيثن

مشكلة الإسكان متجذرة من قديم الزمان! اشتكى منها أدباء وعلماء وشعراء على مر العصور، ناهيك عن عامة الناس.. ولا تقتصر الشكوى على صعوبة امتلاك بيت بل تتعدى لتدبير أجاره الذي يسمونه (كِراء) ومنها اشتق أهل نجد (كروة)..

فأبوالفرج الأصفهاني مؤلف "الأغاني" أكبر موسوعة في الأدب العربي كان ثريا ثم ساءت حاله آخر عمره فباع بيته الفاخر واستأجر بيتًا صغيرًا وقال يشكو:

(وبعد مُلكي منزلًا عامرًا   سكنتُ بيتًا من بيوت الكِرا

فكيف أُلفى لاهيًا ضاحكًا   وكيف أحظى بلذيذِ الكَرى)

وأبو الشمقمق اشتد به الإملاق حتى طرده المالك من بيت صغير حقير فصار يعيش في الخلا ويقول:

(بَرَزَت مِنَ المَنازِلِ القِباب   فَلَم يَعسِر عَلى أَحَدٍ حِجابي

فَمَنزِلي الفَضاءُ وَسَقفُ بَيتي  سَماءُ اللَهِ أَو قطعِ السَحابِ

فَأَنتَ إِذا أَرَدتَ دَخَلتَ بَيتي   عَلَيَّ مُسلِماً مِن غَيرِ بابِ

لِأَنّي لَم أَجِد مصراع بابٍ  يَكونُ مِنَ السَحابِ إِلى التُرابِ)!

وابن المعتز سليل الخلفاء حين قام بترميم بيته أو قصره شاب رأسه، لأن الترميم يشبه حكّ الجرب كلما حك الأجرب جلده تضاعفت حاجته للحك في دائرة مفرغة، كذلك الترميم يبدأ به صاحبه محددًا ماذا يفعل فلا يقف الترميم عند حد بل يجر معه إصلاحات متلاحقة ويفتح أبوابًا من عذاب.. يقول ابن المعتز:

(أَلَا مَنْ لنفسٍ وأحزانِها ودارٍ تداعت بحيطانِها!   أَظَلُّ نهاريَ في شمسها شقيّاً بإلقاء بنيانها!

أُسوِّد وجهي بتبييضها   وأهدمُ كيسي بِعُمْرانها)

وللحطيئة بيته الشهير:

(أُطوِّفُ ما أطوِّفُ ثم آوِي   إلى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ)

ولا نُقره على هجاء زوجته أو نستغربه منه، فقد هجا نفسه وأمه، ولكن نؤكد ما كتبناه مرارًا بأن السكن ليس مجرد أرض وبناء وحجارة صماء، السكن أيضًا زوجة صالحة ورجل فاضل، فكوخ تضحك فيه المرأة أفضل ألف مرة من قصرٍ تبكي فيه، والرجل الذي لا يجد سعادةً في بيته لن يجدها في مكانٍ آخر، فمن أهم معاني السكن الحياة الزوجية التي يسودها الحب والوئام، وتُظلها المودة والرحمة والسلام، فإن الله عز وجل يقول:

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العظيم.

نقلا عن الرياض