ثغرات في قانون التداول بناء على معلومات داخلية

29/06/2021 2
د. فهد الحويماني

"المعلومات الداخلية" هي المعلومات غير المتوافرة لعموم الجمهور، التي عندما يعلن عنها يكون لها تأثير جوهري في سعر سهم الشركة المدرجة. وقد عرف الباب الثالث من لائحة سلوكيات السوق في نظام هيئة السوق المالية مفهوم التداول بناء على معلومات داخلية، في أنه يتم فقط لورقة مالية متداولة، مثل الأسهم والسندات والعقود المستقبلية وعقود الخيارات، وغيرها، طالما أن لهذه الورقة سعرا متداولا يمكن أن يتأثر بأي معلومات جوهرية في حال تم نشرها.

يقع الشخص في جريمة التداول بناء على معلومات داخلية إما بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعني أن من يمتلك المعلومة، ويسمى الشخص المطلع، سيعرض نفسه للمساءلة سواء قام بالتصرف بناء على المعلومة بنفسه أو من خلال شخص آخر. الشخص المطلع قد يكون عضو مجلس إدارة أو شخصا تنفيذيا في الشركة نفسها أو في مؤسسة أخرى لديها المعلومة الداخلية، أو أن يكون شخصا متعاقدا مع الشركة، أو أن يكون شخصا تربطه علاقة معينة بالشخص المطلع، وهكذا.

في هذا التقرير نلقي الضوء على بعض حالات التداول، بناء على معلومات داخلية في المملكة وفي الولايات المتحدة، ونتطرق إلى ثغرات في القانون الأمريكي تطرق إليها رئيس هيئة الأسواق والأوراق المالية الأمريكية قبل أسبوعين. وربما نحتاج في المملكة إلى دراسة هذه التطورات وتطبيق ما يناسب منها.

حالات تداول مبني على معلومات داخلية في المملكة

حالات التداول المبني على معلومات داخلية قليلة جدا في المملكة، وأحد أبرز أسباب ذلك أن هذا النوع من المخالفات يصعب جدا إثباته، على الرغم من كثرة الشواهد العرضية، التي يشتكي منها كثيرمن المتداولين. غالبا تتعالى أصوات المتداولين حين يرتفع سهم إحدى الشركات بشكل غير متوقع، ومن ثم يفاجأ الجميع خلال اليوم نفسه أو بعده بأيام قليلة بصدور خبر جوهري متعلق بالسهم.

من أبرز الحالات المعلنة ما حدث في 2004 في بداية تحرك سوق الأسهم السعودية، حيث أقامت هيئة السوق المالية دعوى ضد عضو مجلس إدارة إحدى الشركات، الذي كان يملك وقتها 30 في المائة من أسهم الشركة، حيث قام بعمليات شراء أسهم الشركة لستة من أفراد عائلته، وذلك لحصوله على معلومات داخلية متعلقة بدمج عدة شركات مع شركته. وجاءت جميع عمليات الشراء قبل إعلان مجلس إدارة الشركة هذه الاندماجات بأيام قليلة، وكان عدد الأسهم نحو 250 ألف سهم.

وقد طالبت الهيئة بقيامه بدفع مكاسب بأكثر من ثلاثة ملايين ريال وغرامة مائة ألف ريال مقابل هذه المخالفة، وقدم المتهم حينها دفوعات تنوعت من كون العملية تمت بحسن نية وأن عدد الأسهم لا يمثل نسبة كبيرة من ملكيته، إلى أن قيامه بالشراء لمصلحة أفراد عائلته ليس من باب التخفي والسرية، بل لنقل بعض الملكية إلى مصلحة أفراد عائلته. وتمت بالفعل إدانته وتأييد القرار من قبل لجنة الاستئناف.

وفي 2009 تمت إدانة أحد كبار المستثمرين الذي كان عضوا في مجلس إدارة شركة الفنادق، حيث قام بالتداول بناء على معلومات متعلقة باندماج مرتقب للشركة، وتم تغريمه نحو 3.5 مليون ريال، وقد وافق على دفع الغرامة دون محاكمة ودون إقرار بالخطأ.

أما أكبر عمليات هذا التداول المحظور ما حدث 2015 حين صدر قرار مجلس الهيئة بإحالة بعض الأشخاص من شركة اتحاد اتصالات بتهمة التداول بناء على معلومات داخلية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام بحكم الاختصاص. وعلى إثر هذه القضية تم إيقاع عقوبات بمبالغ تجاوزت 300 مليون ريال، نتيجة قيام المتهمين بتجنب خسائر مالية بهذا القدر، نتيجة علمهم بتردي وضع الشركة نتيجة ممارسات مالية مضللة، إضافة إلى فرض الغرامات المعتادة بواقع مائة ألف ريال لكل شخص.

الحاجة إلى قانون 10b5-1 وكيفية تطبيقه

هناك مشكلة كبيرة تواجه عضو مجلس الإدارة أو الشخص التنفيذي في الشركة ممن يرغب في بيع أو شراء أسهم الشركة التي يعمل فيها أو التي له علاقة قوية بها، وذلك نتيجة الخوف الشديد من الوقوع في ملابسات التداولات المحظورة. عندما توجه تهمة التداول بناء على معلومات داخلية للشخص فهناك عقوبات مالية شديدة وأحيانا السجن، وفي كل الأحوال هناك جلسات محاكمة طويلة ومعقدة، علاوة على الإضرار بسمعة الشخص، ولذا أصبحت هناك مشكلة للقياديين الذين يرغبون في تنويع استثماراتهم ببيع أجزاء من الأسهم التي في حوزتهم. بعض هؤلاء الأشخاص تحصلوا على الأسهم عن طريق خطة تحفيز الموظفين التي تكافئ الموظف بإصدار أسهم له، والبعض بحكم أنهم من المؤسسين أو من كبار المستثمرين، وبالتالي من حقهم بيع وشراء أسهمهم كغيرهم من المتعاملين.

لذا قامت هيئة الأسواق والأوراق الأمريكية بإصدار تنظيم يعرف بقانون 10b5-1، وهو تعديل للأنظمة الصارمة للتداول بناء على معلومات داخلية للتخفيف من هذه الإشكالية. هذا القانون، متى تم تطبيقه بشكل صحيح، يسمح لمالك الأسهم الذي يعمل في الشركة بالبيع والشراء بحرية تامة دون الخوف من الوقوع في أي تداولات محظورة. الطريقة هي أن يقوم بتسليم خطة تداول لطرف ثالث تشتمل على جدول زمني يحتوي على تواريخ العمليات القادمة وعدد الأسهم التي يريد بيعها أو شراءها، بشرط ألا يكون لديه وقت إعداد الجدول أي معلومات داخلية.

على سبيل المثال، يستطيع الشخص تحديد تواريخ ثابتة أو مواعيد معينة تتحدد بناء على حركة السهم أو أي تطورات أخرى من خلال ضوابط يحددها كيفما يشاء. في هذه الحالة، حتى إن تزامن وقت البيع أو الشراء مع صدور أخبار جوهرية من الشركة، فهذا الشخص يكون بمعزل عن أي مساءلة قانونية. وعادة يكون جدول التداول قصير المدة، مثل عام واحد، ويمكن تغيير الجدول أو إيقاف العمل به، أو حتى إعداد أكثر من جدول، حسب ظروف الشخص ورغباته.

هذه هي الفكرة الرئيسة من القانون، إلا أن رئيس هيئة الأسواق المالية صرح قبل نحو أسبوعين بأن هناك ثغرات في هذا القانون ربما يتم استغلالها في إجراء عمليات تداول محظورة، وأنه حان الوقت لمراجعة القانون وتعديله.

ما الثغرات الموجودة في قانون 10b5-1؟

قام باحثون من جامعة ستانفورد بعمل دراسة عن فاعلية قانون 10b5-1 وطرق التعامل به، وذلك من خلال دراسة أكثر من 20 ألف خطة تداول لأكثر من عشرة آلاف قيادي في أكثر من ألفي شركة مدرجة. عدد عمليات البيع التي تمت دراستها كانت أكثر من 55 ألف عملية بقيمة إجمالية تجاوزت 105 مليارات دولار، أي بمتوسط نحو مليوني دولار لكل عملية.

الهدف من الدراسة كان محاولة معرفة إذا ما كان أولئك القياديون ومن خلال عمليات البيع المحددة في خطط التداول الموافق عليها قد استطاعوا تجنب الوقوع في خسائر بشكل لا يمكن القيام به دون وجود معلومات داخلية لديهم. الهدف من خطط التداول بالطبع هو لتجنب الوقوع في مخاطر التداول المحظور، لكن ماذا لو كان هؤلاء القياديون قد وجدوا طريقة ما أو ثغرات معينة في القانون، بحيث يبدون ملتزمين بالأنظمة لكن على الرغم من ذلك لديهم عوائد، أو تجنب خسائر غير طبيعية؟

أول استنتاج تبين للباحثين هو طول مدة الانتظار من تاريخ تسليم خطة التداول إلى أول عملية بيع، حيث تبين أنها في المتوسط 76 يوما، لكن هناك 14 في المائة من الخطط تبدأ خلال 30 يوما أو أقل، ووجدوا أن 1 في المائة من الخطط تبدأ التداول في يوم تسليم خطة التداول نفسه. من المهم هنا الإشارة إلى أن القانون لا يحدد مدة انتظار معينة، وهذه إحدى الثغرات التي ألمح إليها رئيس هيئة الأوراق المالية، ومن المتوقع أن يكون هناك اشتراط مدة انتظار بمقدار 60 يوما.

كذلك تبين أن متوسط كمية الأسهم التي يتم تداولها خلال الـ30 يوما الأولى كانت أكبر بنسبة 50 في المائة من متوسط كميات الأسهم التي في خطط التداول التي بدأ التنفيذ فيها بعد ستة أشهر أو أكثر. النقطة هنا مرة أخرى أنه يبدو أن من يستعجل في إعداد خطة التداول ويستعجل في إجراء عمليات البيع تكون كميات التداول لديه عالية، ما يعني أنه ربما يقوم بذلك نتيجة توافر معلومات خاصة لديه!

 

هذه الدراسة كذلك كشفت أمرا آخر يتعلق بمقدار الخسارة التي تم تجاوزها: فلو كان هبوط السهم فيما بعد عملية بيع القيادي أكبر من المتوقع فهذا يعني أن القيادي ربما كانت لديه معلومات خاصة عن توجه سعر السهم في الفترة المقبلة، الأمر الذي جعله يقرر بيع بعض أو جميع الأسهم التي لديه. كشفت الدراسة أن أولئك الذين بدأوا في البيع خلال 30 يوما من إقرار خطة التداول تجنبوا متوسط خسارة بلغت 2.5 في المائة، وأولئك الذين نفذوا أول عملياتهم بين 30 إلى 60 يوما تجنبوا خسارة 1.5 في المائة في المتوسط، وأخيرا أولئك الذين جاءت تداولاتهم بعد أكثر من 60 يوما لم يتبين تجنبهم أي خسارة في سعر السهم فيما بعد.

مرة أخرى، الدراسة تشير إلى ضرورة وضع حد أدنى لمدة الانتظار بمقدار 60 يوما، لتجنب احتمالية قيام البعض بالتلاعب بقانون 10b5-1.

بعض أشهر حالات التداول بناء على معلومات داخلية

في الولايات المتحدة هناك عديد من القضايا المشهورة المتعلقة بالتداول المحظور، كما هو موضح في الجدول بعنوان "أشهر حالات التداول بناء على معلومات داخلية"، إلا أننا هنا سنتطرق إلى أحدث نتائج التهم التي وجهتها هيئة الأسواق والأوراق المالية الأمريكية في الفترات القريبة الماضية. وهنا من الضروري الإشارة إلى أن بعض هذه القضايا يتعلق بتداولات تمت قبل أربعة أعوام أو أكثر، ما يدل على طول المدة اللازمة للبت في مثل هذه القضايا، سواء في الخارج أو في المملكة.

1) المديرة المالية لشركة أمازون (سبتمبر 2020): قامت المديرة المالية السابقة للشركة بإيصال معلومات مهمة عن وضع الشركة المالي إلى زوجها، الذي قام بدوره بالتداول بناء على تلك المعلومات في عدة حسابات بنكية لأفراد عائلته، محققا أرباحا بلغت 1.4 مليون دولار. كانت زوجته مسؤولة عن الحسابات الضريبية وكانت على اطلاع تام بالنتائج المالية قبل إعلانها، وقد أوردت الشركة أدلة توضح فيها أنه دوما يتم تذكير جميع المسؤولين بأهمية الحفاظ على ما لديهم من معلومات بشكل سري إلى ما بعد إعلان النتائج. وتم الإقرار بوقوع الجريمة وقامت العائلة بدفع مبلغ 2.7 مليون دولار لتسوية القضية.

2) مديرة التجارب المختبرية لشركة أدوية (يونيو 2021): زوجة تعمل كمديرة مشروع في شركة أدوية في نيويورك علمت بأن نتائج اختبارات الدواء الذي كانت تعلق عليه الآمال جاءت مخيبة، فقامت بإطلاع زوجها على ذلك، الذي قام على الفور ببيع ما يملكه من أسهم في شركة الأدوية هذه. ولم يقف عند هذا الحد، بل قام بإبلاغ عمه الذي قام كذلك ببيع جميع أسهمه. وفي اليوم التالي هوى سعر السهم لأكثر من 50 في المائة في يوم واحد.

نتيجة قيام الزوج ببيع أسهمه فقد تجنب خسارة 104 آلاف دولار، وتجنب عمه خسارة 14 ألف دولار، وتم اعترافهما بالجرم، وقبلا بانهاء القضية بتسوية مقدارها 325 ألف دولار.

3) محاسب في شركة تقنية (يونيو 2021): المحاسب براون متخصص في جانب الإيرادات لشركة تقنية في سان فرانسيسكو، قام بإطلاع صديقه العزيز بنيامين ويلام الذي قام بالتداول بناء على هذه المعلومة، وأخبر صديقا آخر قام هو الآخر بالتداول بناء على المعلومة، وقام بإبلاغ ثلاثة من أصدقائه كذلك. مجموع الأرباح التي حققها هؤلاء كانت نحو 1.7 مليون دولار، وتمت تسوية القضية بإلزامهم بدفع هذه الأرباح، إضافة إلى نحو 600 ألف دولار كعقوبات مدنية.

4) مدير أحد المؤشرات المعروفة (يونيو 2021): جيمس يانج يعمل كمسؤول عن أحد مؤشرات الأسهم الرئيسة حيث كان يتولى عملية إدخال بعض الأسهم من ضمن المؤشر وإخراج بعضها بين الحين والآخر، ومن المعروف أن مثل هذه العمليات التي غالبا تحدث مرة كل ثلاثة أشهر تكون لها تأثيرات كبيرة في حركة الأسهم. جيمس يانج كان يقوم بإبلاغ صديق له يعمل كمدير لمطعم "سوشي" بهذه العمليات، التي كان يستفيد منها صديقه في شراء وبيع عقود خيار متعلقة بالشركات المدخلة أو المخرجة من المؤشر، محققا أرباحا بلغت 900 ألف دولار. كان جيمس يانج يستخدم حساب صديقه الاستثماري كي لا ينكشف أمره، لكن التحقيقات بينت أن الدخول إلى حساب الصديق كان يتم من خلال رقم الإنترنت IP address الخاص بمنزل يانج. وهنا النقطة بأن لدى جهات الضبط طرقا متقدمة للبحث والتحري في مثل هذه الجرائم.

 

 

نقلا عن الاقتصادية