سؤال يتبادر لذهن الكثير من المتعاملين بالأسواق بعد أن تبدأ موجات الارتفاع بالأسواق المالية، فالجميع يتمنى الخروج من السوق قبل بداية أي عملية جني أرباح قاسية أو تصحيح، لكن بالمقابل فإن الغالبية ينشغلون بهذا الأمر، وينسون تقييم محافظهم الاستثمارية والنظر إلى كل سهم فيها، هل وصل مرحلة من التشبع بالشراء وحقق أهدافه قياساً بنتائجه المتوقعة مستقبلاً، فالأصل في قرار التخارج من السوق هو التقييم المبني على أسس علمية سواء كنت مضارباً أو مستثمراً، فلكل فئة من المتعاملين الأدوات المناسبة التي تتماشى مع استراتيجيتهم، فالمضارب يركز على التحليل الفني في قراراته، بينما المستثمر فيركز على التحليل الأساسي والعوامل المحفزة للاستثمار بالأسواق والقطاعات التي يتوجه لها.
في حالة الأسواق اليوم تظهر مخاوف لا تتوقف من احتمال حدوث عمليات تصحيح بعد موجة ارتفاع بدأت منذ أكثر من عام دون توقف، حققت أغلب مؤشرات الأسواق بالعالم ارتفاعاً قارب 90 بالمائة، ورغم إعلان الكثير من المحفزات التي دعمت هذا الارتفاع واستوعبتها الأسواق، إلا أن توقعات حدوث التصحيح المرتقب لم تتحقق حتى تاريخنا الحالي، وهنا لا بد من النظر للأسباب، فالعوامل الرئيسية الداعمة لهذه الارتفاعات ما زالت قائمة مثل الفائدة شبه الصفرية على الدولار، وأيضاً استمرار برنامج شراء السندات من الفيدرالي الأمريكي، كما هو معتمد منذ بداية خطط التحفيز التي أطلقت العام الماضي، ويقدم البنك المركزي الأوروبي خططاً مماثلة، وكذلك أغلب البنوك المركزية العالمية، خصوصاً دول مجموعة العشرين، وهي عوامل داعمة لتدفق السيولة لأسواق المال والسلع، كما أن المبادرات والموازنات المعتمدة من أكبر اقتصادات العالم التي تضاف لإجراءات البنوك المركزية، والتي تهدف لاستعادة النمو الاقتصادي تعد داعماً رئيسياً أيضاً لجذب الاستثمارات للأسواق المالية،
فالعوامل الاساسية لم تتغير، ولذلك ما زالت الأسواق تحت زخم التحفيز الاقتصادي الواسع النطاق عالمياً، إذاً ما الذي ينتظر الأسواق خلال الفترة القصيرة القادمة، ولعل الجواب هو أن الإيجابية هي صيغة واضحة وستستمر ما دامت العوامل الإيجابية قائمة وأن أي «تصحيح أو جني أرباح واسع» قد تتعرض له الأسواق خلال الفترة المنظورة القادمة، ما هو إلا حركة طبيعية تهدف لاستعادة الزخم، والتي سينجم عنها مزيداً من تدفق السيولة للأسواق، بالإضافة إلى أن الهدف الرئيسي منها، خصوصاً بعد إعلان نتائج الربع الثاني، والتي تكمل مع الربع الأول نصف عام، ستظهر معها فرص جديدة، مما يستدعي من مديري الاستثمار إعادة توزيع المراكز، والتي عادة تحدث خلال الربع الثالث من كل عام حتى يستطيعوا تحقيق أفضل النتائج للمحافظ التي يديرونها بناءً على عوامل النمو المتوقعة، وهو عادة ما يدخل الأسواق بعمليات تصحيح فرعية، تكون لفترة محدودة، وتشهد تذبذبات متوسطة، فالمستثمر والمصارب يعقدون صفقات شراء الأسهم بناءً على عدة عوامل، من أهمها التوقعات المستقبلية، ولذلك فإن من الأفضل للمتعاملين الأفراد عدم الانشغال بتوقيت التصحيح أو جني الأرباح والتركيز على أهدافهم من كل عملية ينفذونها بالسوق المالية، والنظر للمستقبل، وأين تكمن الفرص لإعادة بناء مراكزهم من جديد في حال استمرت العوامل الداعمة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي قائمة، لأن انعكاسها سيظهر على أداء قطاعات الاقتصاد الممثلة بالسوق المالية.
كثيراً ما ينشغل المتعاملون الأفراد بتحديد أدنى سعر للشراء أو أعلى سعر للبيع، وبعضهم يبدل استراتيجية تعامله بالسوق يومياً، فينتقل من مضارب لمستثمر أو العكس، وكذلك ينشغل عن قياس أداء نتائج تعامله بالسوق بمتى ومن أي منطقة قد يحدث التصحيح، فالأصل أن تنظر لاستثمارك هل وصل لهدفه المرحلي بما أننا ما زلنا في موجة كبرى من ارتفاعات الأسواق التي قد تمتد لسنوات قادمة، فأسعار الفائدة على الأقل لن تتغير قبل عامين كما ذكر الفيدرالي الأمريكي -مؤخراً-، وكذلك من المتعارف عليه أن الأسواق لا تغير اتجاهها الصاعد في دورتها الكبرى إذا كان الاقتصاد ببداية دورة نمو جديدة كالتي يعيشها العالم حالياً.
نقلا عن الجزيرة