قبل عامين، شهد العالم نمو الطلب على الطاقة بنسبة 2.3 في المائة. تم تلبية هذا النمو في المقام الأول بالغاز الطبيعي يليه مصادر الطاقة المتجددة، النفط، الفحم، الطاقة النووية، وغيرها. كان الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي جنبا إلى جنب مع انتشار الغاز الطبيعي المسال واكتشاف الغاز الصخري في الولايات المتحدة هو السبب وراء توقع وكالة الطاقة الدولية بقدوم العصر الذهبي للغاز كوقود مجسر للانتقال إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون.
في الواقع، تم الترحيب بالغاز الطبيعي باعتباره ما أطلق عليه كثيرون "الوقود المجسر"، حيث عد الجسر بين الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة. بعد عامين فقط، مع تزايد الضغوط من قبل نشطاء البيئة وتسارع الاندفاع إلى مصادر الطاقة المتجددة، بدأ التشكيك بشكل متزايد في حالة الوقود المجسر للغاز الطبيعي. حيث عكست وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير توقعاتها السابقة وتخلت عن العصر الذهبي للغاز. ما مقدار المساحة المتاحة لتفسير ذلك؟ وفي أي سياق يجب رؤيته؟ لقد تم هذا التخلي بناء على "خريطة طريق لصافي انبعاثات كربون صفرية بحلول عام 2050" نشرتها الوكالة أخيرا وواجهت انتقادات على نطاق واسع. في ذلك، خلصت الوكالة إلى أنه إذا قامت الدول التي أعلنت جهودها في إزالة الكربون بحلول عام 2050 بتنفيذها وفقا لذلك، فلن تكون هناك حاجة إلى استثمارات جديدة في النفط أو الغاز الطبيعي. هذا لا يشمل المشاريع الجديدة القائمة أو الموارد المكتشفة بالفعل.
لقد تم انتقاد الوكالة من قبل عديد ممن يعتقدون أن المنظمة قد تخطت حدودها من خلال تقديم اقتراح غير مدروس لإزالة الكربون بسرعة. من المهم أن نلاحظ أن الوكالة تم إنشاؤها عام 1974 استجابة لأزمة النفط للمساعدة على تنسيق استجابة جماعية لأعضائها للاضطرابات الكبرى في أسواق الطاقة.
من الانتقادات التي وجهت إلى خريطة الطريق التي قدمتها الوكالة قال ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي: إنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى 200 دولار وأسعار الغاز سترتفع أيضا بشكل صاروخي.
وربما أفضل وصف لخريطة طريق الوكالة هو تعليق المملكة، الذي طرح في منتدى سان بطرسبرج، فقد وصف الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، خريطة طريق الوكالة بأنها تمثل سيناريو "أرض الأحلام"، إذ أجاب حينما سئل فيما إذا كان النفط قد انتهى بقوله: "المملكة تزيد من طاقتها الإنتاجية".
من السهل وصف بيان وكالة الطاقة الدولية فيما يتعلق بعدم ضرورة وجود استثمارات جديدة في النفط والغاز الطبيعي بأنه ثوري، لكنه يتم في إطار صارم من الإجراءات والفرضيات المترابطة التي من الصعب تحقيقها جميعا. بمعنى أنه إذا تم أخذ إزالة الكربون على محمل الجد، فيجب زيادة الاستثمارات في البدائل. أهم مصدر لتوقعات وكالة الطاقة الدولية هو العدد المتزايد من الحكومات التي أعلنت الحياد الكربوني بحلول عام 2050. ومع ذلك، لا يزال هناك عديد من المحاذير فيما يتعلق بالقدرة على دفع تكاليف هذه التدابير من قبل الدول الفقيرة خصوصا.
في العقد الماضي، تطور قطاع الغاز الطبيعي بسرعة وانتقل من مصدر إقليمي للطاقة إلى عالمي بشكل أساسي من خلال انتشار الغاز الطبيعي المسال. ودفعت الكارثة في محطة فوكوشيما للطاقة النووية ألمانيا واليابان نحو الغاز الطبيعي، ما جعل الأخيرة أكبر مستورد للغاز في العالم، من خلال إعلان إغلاق جميع محطات الطاقة النووية الخاص بهما.
علاوة على ذلك، حفزت الطبيعة النظيفة نسبيا للغاز الطبيعي مقارنة بالفحم الحكومات على اختيار البديل الأنظف. اختارت الصين في المقام الأول هذا الخيار الذي تظهره سياستها في الابتعاد عن الفحم والتحول إلى الغاز. حيث سجلت الواردات الصينية من الغاز الطبيعي الشهر الماضي رقما قياسيا جديدا بنمو نسبته 26 في المائة على أساس سنوي.
رغم أن العام الماضي كان كارثيا لجميع الأسواق تقريبا بسبب جائحة كورونا، إلا أن أسواق الغاز الطبيعي المسال انتعشت بسرعة. وفقا لبعض المحللين، قد يرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40 - 50 في المائة خلال العشرة أعوام المقبلة. يمكن أن يتضاعف تقريبا بحلول أوائل أربعينيات القرن الحالي. إذن كيف يمكن لوكالة الطاقة الدولية أن تقول ليس هناك حاجة إلى استثمارات جديدة؟.
من المهم أن نلاحظ أن الوكالة لا تقول صراحة أن الغاز الطبيعي لم تعد هناك حاجة إليه. لكن، جاءت توقعاتها الأخيرة نتيجة للعدد المتزايد من الدول التي تعهدت بأن تصبح مجتمعا خاليا من الانبعاثات بحلول عام 2050. وقد نمت القائمة لتشمل 44 دولة تمثل الآن الأغلبية العظمى من الاقتصاد العالمي.
رغم أن هناك عديدا من الأسئلة والشكوك حول مدى واقعية خريطة الطريق مثل توافر كميات كافية من المواد الخام "مثل المعادن والفلزات" والربحية عموما، إلا أن إجابات الوكالة هي في الأغلب تقنية. علاوة على ذلك، يمكن أن تتحسن جدوى بدائل الغاز الطبيعي إذا أعادت المؤسسات المالية تقييم ربحية الاستثمارات طويلة الأجل في المصادر القائمة على الكربون. على سبيل المثال إذا ارتفعت مخاطر الأصول العالقة Stranded، مثل استثمارات الغاز الطبيعي المسال بمليارات الدولارات، يمكن أن تتدفق الأموال نحو المشاريع المستدامة التي ستكون موجودة لعقود، على حد قول الوكالة.
ومع ذلك، ليس كل شيء قاتما بالنسبة لصناعة الغاز الطبيعي المسال العالمية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الطلب المتزايد على الهيدروجين إلى تعزيز هذا القطاع في وقت يعمل فيه العالم على إزالة الكربون. حيث تتوقع الوكالة أن يرتفع استخدام الهيدروجين من 90 مليون طن عام 2020 إلى 200 مليون طنا عام 2030. ويمكن للهيدروجين المنتج من الغاز الطبيعي سد هذه الفجوة.
ليس هناك شك أن العالم في حاجة إلى التحرك نحو مصادر الطاقة منخفضة الكربون ما دام هناك طلب عليها، لكن نحن في حاجة أيضا إلى أن نكون واضحين حول الموارد التي يمكنها القيام بذلك. بالفعل، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان إزالة الكربون بالسرعة التي تقترحها وكالة الطاقة الدولية أمرا ممكنا. حيث لا يزال هناك عديد من الأسئلة المتعلقة بالربحية، وتوافر المواد، ومثابرة الحكومات على متابعة الأهداف المعلنة.
نقلا عن الاقتصادية