انتشار متسارع لشركات الاستحواذ الخاصة SPAC

07/03/2021 2
د. فهد الحويماني

برزت شعبية عالية في العامين الماضيين لنوع معين من الشركات التي تطرح للاكتتاب العام وتدرج في إحدى البورصات، وهي شركات لا تمارس بنفسها أي نوع من الأعمال التجارية، بل هدفها جمع أموال المستثمرين بهدف الاستحواذ على شركة خاصة غير مدرجة لتصبح شركة مدرجة في إحدى البورصات. هذا النوع من الشركات يسمى شركة ذات غرض خاص للاستحواذ Special Purpose Acquisition Company، أو SPAC. هل هو نوع جديد من الشركات؟ وكيف يختلف عن شركات الملكية الخاصة وشركات صناديق التحوط، أو حتى الصناديق الاستثمارية؟ ولماذا فجأة ظهرت لهذا النوع شعبية كبيرة، لدرجة أن بورصة نيويورك وحدها أدرجت أكثر من 60 شركة سباك خلال العامين الماضيين فقط؟ وهل ممكن أن تنتشر لدينا في المملكة؟ وهل هناك ما يشابهها في نظام الشركات السعودية، وبالتالي يسمح بتأسيسها لدينا؟

خبر هذا الأسبوع أن شركة أنغامي، وهي شركة لديها منصة وتطبيق لبث الموسيقى والأغاني، نشأت في بيروت، ومقرها أبوظبي، ستكون أول شركة عربية تقنية تطرح في بورصة ناسداك. العملية التي سيتم الطرح بها ستكون عن طريق شركة استحواذ "سباك" وليس عن طريق طرح أولي تقليدي. ما السبب؟

فكرة شركات الاستحواذ الخاصة موجودة منذ نحو 20 عاما، غير أنها أخذت بالاشتهار المتزايد في العامين الماضيين، نتيجة الترويج الكبير لها من قبل بعض الأسماء الكبيرة والمعروفة في عالم الاستثمار، مثل "بيل آكمان" و"بالي هابتيا جاثام". وهناك من يقول: إن شعبيتها زادت بسبب تعثر عمليات الطرح الأولي التقليدية بسبب جائحة كورونا، لكن الأسباب الحقيقية تعود إلى جاذبيتها للشركات الخاصة التي ترغب في الإدراج في البورصات.

باختصار، تنطلق شركة الاستحواذ عندما يتقدم فريق عمل له خبرة واسعة في الاستثمار بقيادة أحد الأسماء المعروفة، ويطرح شركة للاكتتاب العام، لكن دون أي أصول ملموسة أو أعمال تجارية أو حتى فكرة أو ابتكار. هذا النوع من الشركات مسموح به في الولايات المتحدة، وهذا أهم أسباب انتشار شركات الاستحواذ في أمريكا دون غيرها. سعر الطرح يكون غالبا محددا بعشرة دولارات، وهذا أول اختلاف عن طرق الطرح الأولي التقليدي في أن سعر الطرح محدد بشكل مطلق. طبعا هنا نتكلم عن سعر طرح شركة الاستحواذ للاكتتاب العام، وليس طرح الشركة الخاصة التي ستطرح لاحقا، كما حدث مع شركة أنغامي.

شركة الاستحواذ الخاصة ليست شركة قابضة، كما هو متعارف عليه، ومسموح به حتى هنا في المملكة، وذلك لأن شركة الاستحواذ عمرها محدود بعامين غالبا، وبعد ذلك يجب عليها أن تستحوذ على شركة خاصة أو تندمج معها، وإن لم يتم ذلك يجب عليها أن تعيد الأموال إلى المستثمرين وتنقضي الشركة.

شركة الاستحواذ الخاصة ليست مثل شركات صناديق التحوط ولا شركات الملكية الخاصة private equity، أولا بسبب عمر الشركة القصير، وثانيا بسبب الاختلاف الكبير في طريقة عملها عن هاتين الوسيلتين، بالذات في كونها تستهدف الاستحواذ على شركة خاصة واحدة في الأغلب، وهذا يختلف عن شركات الملكية الخاصة التي من الممكن أن تستحوذ على أي عدد من الشركات.

يمكن اعتبار شركات الاستحواذ الخاصة أنها طريقة مرنة ورخيصة لكل المستثمرين للمشاركة في شركات الملكية الخاصة، أو ممكن أن نتصور أنها عبارة عن شركة ملكية خاصة متداولة، لكن بضوابط كثيرة مختلفة.

ما فائدتها للشركات الخاصة، التي بمقدورها سلك طريق الطرح الأولي التقليدي، دون الحاجة إلى هذا النوع الجديد من الشركات؟ السبب في انجذاب الشركات الخاصة لهذه الوسيلة الجديدة يعود إلى سرعة عملية الإدراج عن طريق شركات الاستحواذ، مقارنة بالطريقة التقليدية التي تكلف كثيرا من المال والوقت والجهد. كذلك، هناك امتعاض كبير ومتزايد تجاه البنوك الاستثمارية التي تتولى عمليات الطرح الأولي، ما يجعل كثيرا من الشركات الخاصة تفضل أي وسيلة أخرى غير البنوك الاستثمارية المختصة في الطروحات الأولية، هذا رغم أن هناك من يرى أن الطرح من خلال البنوك الاستثمارية له فوائد للشركة الخاصة، وكذلك للمستثمرين.

وهناك فوائد أخرى للشركات الخاصة التي تدرج في البورصة عن طريق شركات الاستحواذ، وهي عدم وجود فترة حظر للملاك والمؤسسين لبيع أسهمهم بعد الطرح، وذلك لكون الشركة الأم مطروحة من الأساس، إضافة إلى كونهم غير محدودين بنسبة طرح معينة من أسهمهم، بخلاف طريقة الطرح التقليدية.

عملية طرح شركة الاستحواذ تتم بسهولة، لأن الشركة في البداية ليس فيها ما يحتاج إلى مراجعة ولا تدقيق من قبل هيئة الأسواق المالية، بحكم أنه ليس لديها أصول ولا أعمال تجارية، فقط لديها أموال سيتم حفظها في استثمارات آمنة إلى أن يتم التوصل إلى شركة خاصة مناسبة. وبالتالي، فإن المخاطرة المبدئية في شراء أسهم شركات الاستحواذ الخاصة "سباك"، تعد متدنية بسبب أن الأصول المالية للشركة موجودة، بمعنى أنه من الصعب أن ينخفض سعر الشركة دون عشرة دولارات، لأن هناك أموالا نقدية قيمتها تعادل نحو عشرة دولارات، وهذه من ميزات الاستثمار في هذه الشركات.

حاليا، يوجد عدد كبير من شركات الاستحواذ الخاصة، وأعدادها تتزايد بشكل مذهل. فرغم أن عام 2020، يعد عاما استثنائيا لهذه الشركات، حيث تم جمع 83 مليار دولار من الاكتتابات الأولية بها، تم جمع 60 مليار دولار في أول شهرين فقط من عام 2021.

تاريخيا، يعد أداء شركات الاستحواذ الخاصة ضعيفا إلى حد ما، مقارنة بأداء الأسهم عموما، لكن هناك من يعتقد بأن هذا شيء من الماضي، وأن الشعبية المتزايدة لهذه الشركات وبروز أسماء كبيرة وذات خبرة واسعة خلفها، أحدث تغييرات جذرية في طريقة عملها والفرص التي أمامها.

من المهم الإشارة إلى أنه بالنسبة إلى المستثمر الفرد، فهو يستطيع شراء أسهم هذه الشركات كأي أسهم أخرى، ويستطيع بيعها بسهولة تامة، وكذلك يستطيع شراء الحقوق المرتبطة بأسهمها، وهي التي تمنحه الأحقية بزيادة ملكيته أثناء الاندماج أو الاستحواذ لاحقا. عند الاكتتاب في شركات الاستحواذ يتم الحصول على أسهم الطرح، التي ذكرنا أنها بسعر عشرة دولارات، وكذلك يتم الحصول على حقوق شراء مزيد من الأسهم لاحقا، تماما مثل فكرة حقوق الأولوية المتداولة في السوق السعودية، ويتم تداول هذه الحقوق بشكل منفصل عن أسهم الشركة.

حاليا، هذا النوع من شركات الاستحواذ لا يمكن تأسيسه في المملكة، حيث لا يوجد أي شيء مشابه له في أنواع الشركات المسموح بها في نظام الشركات، لكن قد نحتاج إلى إعادة النظر في ذلك، لأنه على ما يبدو أن هناك توجها عالميا لهذا النوع من الشركات، التي بالمناسبة ولأول مرة في تاريخ الطرح الأولي في أمريكا، نحو 40 في المائة من الطرح الأولي في بورصة نيويورك عام 2020 كانت لشركات استحواذ خاصة.

 

نقلا عن الاقتصادية