على الرغم من جائحة كورونا، وتحدياتها الاقتصادية المؤثرة عالميا ومحليا، أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروع المدن الذكية، بدءاً من «ذا لاين» محور التنمية في «نيوم»، مدينة المستقبل. إصرار على العمل وتنفيذ برامج رؤية 2030 وتحقيق أهدافها، وفق الجدول الزمني، من خلال مشروعات نوعية أقرب إلى الحلم منها إلى الواقع المعاش، وهنا تكمن المفاجأة ليس للداخل فحسب، بل ولكل من يراقب المملكة من الخارج. فكيف لدولة تعتمد في إيراداتها على النفط، الذي يعاني من تحديات كبرى أثرت على الإيرادات الحكومية، أن تُطلق مثل تلك المشروعات الطموحة، في خضم الأزمة، وأن تتجه نحو الطاقة النظيفة وهي من أكبر منتجي النفط في العالم.
المواءمة بين حماية البيئة وتحقيق التنمية ليس بالأمر الهين، خاصة أن مدخلات الطاقة، ومخرجات التنمية تؤثر بشكل مباشر في البيئة الحاضنة، غير أن التصاميم الحديثة أخذت في اعتبارها الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، والمحافظة على مكونات البيئة والتوسع في تعزيزها، وبما يجعل الإنسان مقدما على ما سواه.
الإنسان أولاً فلسفة القيادة السعودية في جميع مشروعاتها، واستراتيجياتها التنموية، وأحسب أن تشديد ولي العهد عليها في تقديمه لمشروع «ذا لاين» خير دليل على ذلك. ففي الغالب يتم التركيز على المكاسب الاقتصادية والتنموية عموما، حين تقديم المشروعات الضخمة التي تتطلب تدفق الاستثمارات الخاصة المعينة على تنفيذها. بناء مدينة ذكية من الصفر وفق رؤية مستقبلية تعتمد الابتكار والتصاميم الحديثة ذات العلاقة بالتطوير الحضري وفق رؤية مستقبلية أكثر جدوى وجودة من تطوير القائم منها، وهذا ما يعزز فرص نجاح «ذا لاين» وتحقيقها الأهداف، خاصة مع تغليب مصلحة الإنسان، وبيئته، وتحقيق رفاهيته ورفع مستوى معيشته.
«ذا لاين» ستكون المدينة العالمية الأولى التي تبنى من الصفر من حيث المنظومة الذكية، والتصميم العام، وتحديد قطاعاتها الاقتصادية الملتصقة بالتكنولوجيا الحديثة، والسياحة البيئية بأنواعها، وطابعها العام المحقق للمتطلبات البيئية، وصحة الإنسان ورفاهيته، وخلوها من المركبات وسهولة الوصول إلى وجهاتها المتضادة في مدة زمنية قصيرة جدا. وقف الفاقد الزمني في التنقلات، وحجب انبعاثات الكربون بالاعتماد على الطاقة النظيفة، والإدارة الذكية للمدينة، ودخول الربوتات ووسائل النقل الحديثة تحت الأرض يؤكد أولويتها العالمية، وهذا ما يدفع نحوه سمو ولي العهد الذي يسعى جاهدا لوضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة وفي صدارة الدول الجاذبة للسكن والاستثمار. فجذب الاستثمارات والعقول يحتاج إلى بيئة سكنية محفزة وهذا ما تهدف ذا لاين لتحقيقه، بإذن الله، كونها من مشروعات الجيل القادم من المُدن الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والاتصالات فائقة السرعة والروبوتات والتقنيات المتقدمة غير المرئية في البناء والتصميم.
تقدم المملكة نفسها كمُبادرة في حماية البيئة وتعزيز المشروعات الصديقة لها، وفي مقدمها المدن الذكية، ومن الدول المهتمة بإنتاج الطاقة النظيفة والتوسع في تقنياتها على الرغم من توفر النفط والغاز لديها، بل والسبق في إنشاء المدن الذكية من الصفر ووفق متطلبات المستقبل الذي يعتمد التكنولوجيا أساساً لتنميته.
كما يؤكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على إنجاز وعوده التنموية، وتنويع الاقتصاد، وتحقيق الاستثمار الأمثل للمقومات المتاحة، وبخاصة المقومات البيئية التي يمكن أن تضع المملكة في مقدمة الدول السياحية مستقبلا، وأحسب أن ذا لاين ستكون محور التنمية لنيوم، والمعزز للقطاع السياحي مع شقيقاتها «العُلا»، ومشروع البحر الأحمر، ثلاثي التنمية الحديثة التي اهتمت بالإنسان وبيئته وتاريخه وثقافته وتراثه.
ستغير «ذا لاين» وجه المدن السعودية، ونظرة العالم لها، ولقدرة قيادتها على خلق الاستراتيجيات التنموية والأهداف الطموحة ومواكبة المتغيرات العالمية، وتحويل الأحلام إلى واقع معاش بمشاركة كفاءات وطنية تواقة للإنجاز والتطوير التنموي.. ذا لاين هي حاضنة المستقبل الذي نصبو إليه جميعاً.
نقلا عن الجزيرة